في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس! أما ما مضى من جباية الأموال فقد كان لي دونكم من حقوقكم على الولاة، وأما ما بقي الان فهو لكم دوني، وليس أحد منكم ابتلى بلاء حسنا إلا وما ادخر الله له في الآخرة خير له من ثواب هذه الدنيا، فإياكم والحرص! فإن الحرص يضر بالرزق، وإياكم أن تمنوا على ربكم بالذي كان من جهادكم! فإن المن يحبط الاجر - والسلام -.
ذكر كتاب المهلب بن أبي صفرة إلى الحجاج بعد فراغه من الأزارقة قال: ثم دعا المهلب برجل يقال له بشر بن مالك الحرسي فأرسله إلى الحجاج بالفتح بشيرا (1)، وكتب معه كتابا (2): إلى الحجاج بن يوسف من المهلب بن أبي صفرة، أما بعد، فالحمد لله الكافي بالاسلام الذي أوصل الشكر بالمزيد، وقضى أن لا ينقطع المزيد منه حتى ينقطع الشكر من عباده، ثم إنه قد كان من أمرنا وأمر عدونا ما انتهى إلى الأمير خبره مع كل ذي صباح ومساء، وقد كانت مني إلى الأزارقة مطاولة ظن الأمير أيده الله أني جبيت بهم البلاد، ولعمري أن الذي جبته الأزارقة بنا لأكبر مما جبيناه بهم! وإن كنا قد نلناه منهم ما لم ينالوه منا، وقد كان الناس قد رعبوا منهم رعبا شديدا، حتى روعت بهم الفتاة الكعاب، ونوم بهم الصبي الرضيع، وأدنيت السواد من السواد حتى تعارفت (3) الوجوه، وحتى رغب الناس من النبل إلى الرماح، وعن الرماح إلى السيوف، وانتهزت من الناس الفرص وأخذت منهم الثياب، وكنت كالطبيب للمريض الذي يحميه مما يشتهيه ويسقيه مما يكره، وقد وليت قتالهم رجالا من قبلي، فأخطأوا الورد وأظمأوا الصدر، فعارهم قلائد في أعناقهم إلى يوم القيامة، فلم نزل (4) وعدونا على حالتين مختلفتين ما يسوءهم منا دون ما يسرهم، وما يسرهم منا دون ما يسوءنا منهم، حتى وقع فيهم الاختلاف والجوع، فلم يزل بهم ذلك وأصابهم البلاء، وهرب منهم أهل الخنى والسفاهة،