ما عدا جميع ما تكلمت به سويداء قلبي ولقد أخذ بمجامع قلبي وعقلي حتى لقد غلب على سمعي وصدري، وحال بيني وبين لذتي، ولقد علمت أن الامر كما ذكرت وأن الرغبة فيما رغبت، قال: ثم أنشأ سليمان بن عمرو يقول:
يا من يلوم مرفقا * يدعو إلى إسعاده أبدى النصيحة إذ دعا * لم يأل في إجهاده لا تنكروا ما قاله * من بذله لرشاده فلقد أتى بنصحه * موصولة بسداده قال: فلما سمع القوم كلام سليمان بن عمرو وميله إلى أخيه جعل بعضهم يقول لبعض: هذا ما كنا نحذر من تفريق الألفة وتكدير صفو العيش، فعند الله نحتسب ما فجعنا به منكما! قال: ثم انصرف القوم عن مجلسهم يومهم ذلك وهم مغمومون بأمر يحيى بن عمرو وأخيه سليمان.
فلما كان في الليلة المقبلة اجتمعوا أيضا فجلسوا، فلما اطمأن بهم المجلس أقبل عليهم يحيى بن عمرو فقال: يا إخوتي ويا أخلائي ومن تقر عيني بصلاحهم واجتماع كلمتهم! إنه قد ينبغي للراقد أن يستيقظ من رقدته ويستجلي عن غشوته، ومهما شككتم في شيء فلا تشكوا في الموت، إنه نازل بي وبكم، وأسأل الله العصمة والتوفيق والتسديد لي ولكم - والسلام -، ثم أنشأ يقول:
دعوتكم للرشد والنصح جاهدا * وما زلت للاخوان مذ كنت ناصحا فإن تقبلوا نصحي تنالوا سعادة * وتأتوا طريقا بين القصد واضحا ومن يترك القصد المنير طريقه * يلاقي غدا نارا ويخلد كالحا قال: ثم أقبل عليهم سليمان بن عمرو فقال: يا إخوتي ومن قد عظمت حقوقهم علي وابيضت أيديهم عندي! إنكم قد علمتم ما افترقنا عليه في ليلتنا الماضية وما دعاكم إليه أخي يحيى بن عمرو الناصح لكم، الشفيق عليكم، فإن تجيبوا إلى التوبة والنزوع عما أنتم عليه فحظكم أصبتم وإلى الخير أجبتم، وإن تقيموا على ما أرى من لغطكم واتباعكم أهواءكم فإني أسأل الله لكم التوفيق - والسلام -، ثم أنشأ سليمان بن عمرو يقول:
سألت إلهي أن يؤلف بيننا * على الخير كالتأليف في سائر الدهر فقد عشتم عصرا وعصرا وإننا * لفي غمرة جهلاء نهوي وما ندري