بنصرته، وهذا ابني مسلمة وقد أمرته عليكم، فاستمعوا له وأطيعوا يوفقكم الله ويرشدكم لصالح الأمور! قال فقال الناس: سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين! قال:
فأمرهم عبد الملك بن مروان فعسكروا خارجا من مدينة دمشق في خلق عظيم، وخرج إليهم عبد الملك بن مروان فعبأهم هنالك، فجعل على كل قبيلة من القبائل رجلا من ساداتهم يقتدون برأيه وينتهون إلى أمره، ثم قال لابنه: يا بني! إني قد ندبتك لهذا الامر وشرفتك بهذا الجيش، فجعلته لك شرفا وذكرا إلى آخر الأبد، فكن يا بني بالمسلمين بارا رحيما وأميرا حليما، ولا تكن عنيدا كفورا ولا مختالا فخورا، واعلم يا بني! أن الروم سيلقونك بجيش كثير وجمع كبير، فثق بالله واستعن به وتوكل عليه، فكفى به وليا وناصرا، وانظر يا بني! لا يهولنك ما ترى من جمع الروم وكثرة عددهم، فإن الله تبارك وتعالى بفضله ومنه مهلكهم وضارب وجوههم ومرعب قلوبهم ومزلزل أقدامهم، ومعك يا بني بحمد الله خلق كثير، فإذا عزمت على حرب عدوك فاجعل عمك محمد بن مروان على ميمنتك، واجعل ابن عمك محمد بن عبد العزيز على ميسرتك، واجعل محمد بن الأحنف بن قيس على طلائعك، وعبد الرحمن بن صعصعة بن صوحان على جناحك، واعتمد في حربك على البطال بن عمر فإنه بطل شجاع مقدام شياع، وانظر يا بني! لا تكسل ولا تفشل ولا تجزع ولا تهلع، فإنك إن لم تفعل ذلك وتعديت ما أوصيتك به، استوجبت من الله المقت ومن عباده البغض ومن ملائكة اللعن، فإنه تعالى يقول: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) (1).
قال: ثم أقبل عبد الملك بن مروان إلى الناس، فقال: أيها الناس المسلمون! أنتم إخواني وأعواني، وهذا ابني مسلمة وهو سيفي ورمحي وسهمي، وقد رميت به في نحر هذا العدو، وبذلت دمه ومهجته لله عز وجل، ورجوت أن يقضي الله به جيش الروم، فأعينوه واعضدوه وقوموا معه، وانصروه إذا كسل، وشجعوه إذا فشل، وأيقظوه إذا غفا، وفهموه إذا هفا، فإن أصيب فالأمير بعده عمه محمد بن مروان، فإن أصيب فابن عمه محمد بن عبد العزيز، فإن أصيب فاختاروا من أحببتم الأفضل فالأفضل، والخيار في ذلك إليكم - والسلام -.