قال: وكان هؤلاء الفتية العشرة في كل نعمة سابغة، لا يأتي عليهم يوم من الأيام إلا وهم أشد سرورا وأطول حبورا من يومهم الذي مضى إلى أن وقع الخبر إليهم بأن عبد الملك بن مروان قد وجه جيشا إلى بلاد الروم، قال: وأراد الله عز وجل ما أراد من الخير وأحب الله عز وجل أن ينقذهم مما هم فيه من ظلمة المعاصي إلى نور الطاعة. قال: فأول من ارتدع منهم عما هو فيه ودعته نفسه إلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى يحيى بن عمرو القرشي، فعزم على ذلك وجعل يسره في نفسه ولا يذكر لاخوانه شيئا مما قد عزم عليه، وهو مع ذلك يجالسهم ويحادثهم.
قال: فبينا هم ذات يوم على شرابهم ولهوهم إذ أخذوا شيئا من تناشد الاشعار التي قد أحدثوها بينهم، فجعل كل واحد منهم يقول شيئا ويحيى بن عمرو القرشي ساكت لا ينطق بشيء حتى فرغوا من نشيدهم، فأحب أن يلقي إليهم شيئا مما قد عزم عليه من أمر التوبة ونزوع ما هو عليه، فأنشأ يقول:
قالت: سلوت فقلت: لست بجاحد * أنا والمهيمن ذي الجلال الواحد وسلخت ودك من فؤادي مثل ما * سلخ النهار من الظلام الراكد قالت: فعد فالعود عندي أحمد (1) * فأجبتها هيهات لست بعائد إني أخاف عذاب رب سرمد * تبدو فضائحه ولست ببائد قال: فلما سمع القوم من يحيى بن عمرو القرشي هذه الأبيات أنكروا ذلك منه إنكارا شديدا بليغا، ثم إنهم عضوه بألسنتهم وعذلوه فأكثروا فيه من عذله ولومه، ثم قالوا: يا هذا! قد سمعنا منك شيئا نخاف أن يكون فيه تفريق جماعتنا وتشتيت ألفتنا، وإننا نناشدك الله في ذلك. قال: فتبسم يحيى بن عمرو القرشي ثم حرك رأسه وأنشأ يقول:
إن في اللهو ما علمت سرورا * لا يرى في (2) حوادث الاقدار غير أني تركت ذلك خوفا * وحذارا (3) من شر عار ونار فأنيبوا إلى الاله وتوبوا * كم إلى كم نقيم في الاصرار؟
قال: فلما سمع القوم ذلك أقبل عليه سليمان بن عمرو فقال: والله يا أخي