هل سمعت لهوا قط؟ قال سعيد: لا ولا رأيته. قال: فدعا الحجاج بالعود والناي، فضرب بالعود ونفخ في الناي، قال: فبكى سعيد بكاء شديدا، فقال له الحجاج:
ما يبكيك؟ فقال: إذا أخبرك يا حجاج! أما هذه النفاخة فإنها ذكرتني نفخة إسرافيل إذا نفخ في الصور (ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل آتوه داخرين) (1)، وأما هذه الأخشاب والأوتار فإنها قطعت وفتلت من هذه المصارين لمعصية الله والله سائلك عنها يا حجاج! فقال الحجاج: ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال سعيد: أقول إنه في الجنة، قال: فما تقول في بني مروان في الجنة هم أم في النار؟ قال سعيد: لو دخلت الجنة وفيها أهلها لعلمت من فيها. قال الحجاج: كيف شهدت لغير بني مروان بالجنة؟ فقال سعيد: شهدت لهم بشهادة الرسول لهم أن العشرة في الجنة، ولكن ما أنت يا حجاج وما هؤلاء وما سؤالك عن المغيب وقد عزب عليك علمه. قال الحجاج: الويل لك مني يا سعيد! قال سعيد: بل الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار. قال الحجاج: خذوه! فبادر إليه أعوان الحجاج، قال سعيد: (بسم الله مجريها ومرسها إن ربي لغفور رحيم) (2) ثم مضوا به ليقتل، قال الحجاج: ردوه! وهو يضحك. قال الحجاج:
وما يضحكك وقد بلغني أنك لم تضحك قط؟ قال: عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عنك. قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه! قال سعيد: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين) (3). قال الحجاج: اصرفوا وجهه عن القبلة! قال سعيد: (أينما (4) تولوا فثم وجه الله) إن الله واسع عليم. قال الحجاج: اضربوا وجهه بالأرض! قال سعيد: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) (5) قال الحجاج: اضربوا عنقه!
فقدم سعيد بن جبير فضرب عنقه - رحمه الله -.
قال: واختلط على الحجاج عقله، فلم يزل نادما على قتله حتى ربما كان