ثم دعا مسلمة فعانقه وقبل بين عينيه وقال: السلام عليك يا ولدي وقرة عيني وثمرة فؤادي! فإن نفسي تحدثني أني لا أراك ولا تراني بعد هذا أبدا - ثم بكى وبكى الناس لبكائه، وودع الناس بعضهم بعضا ورحلوا من عسكرهم يوم الجمعة، وذلك في أول يوم من رجب بعد صلاة الجمعة، وعبد الملك بن مروان معهم يشيعهم إلى أن نزلوا على فرسخين من مدينة دمشق، فأقاموا يومهم ذلك هنالك فلما كان من الغد ودعهم عبد الملك بن مروان ورجع إلى دمشق في نفر من أصحابه.
وسار القوم في الآلة والسلاح الكامل والزي الحسن والخيل العتاق والبراذين المطهمة حتى نزلوا بموضع يقال له مرج دابق (1). قال: فلم يزل مسلمة هنالك نازلا والناس يخرجون إليه ويتلاحقون به من كل موضع راغبين في الجهاد حتى صار في عسكر عظيم، ووافاه الفتية المدنيون التوابون.
ذكر الفتية المدنيين التوابين وهو خبر حسن قال: ذكر عيسى بن دأب أن هؤلاء الفتية كانوا عشرة نفر منهم سليمان بن عمرو القرشي، وأخوه يحيى بن عمرو، وهارون بن الحصين التميمي، وأخوه أحمد بن الحصين، ومحمد بن زرعة العبدي، وأحمد بن محمد اليشكري، وبشر بن مطر الأزدي، وسعيد بن إسماعيل الطائي الأسدي، وعبد الله بن عمرو الطائي، ويعقوب بن عبد الله الأنصاري.
قال عيسى بن دأب: وكان السبب في توبة هؤلاء القوم أنهم كانوا بالمدينة على أمر من الأمور التي يحبها الله عز وجل، ولكل واحد منهم جارية يهواها من بنات العرب، فسليمان بن عمرو القرشي جاريته الذلقاء بنت أبي بهس العدوية، وأخوه يحيى بن عمرو جاريته أم أبيها بنت أبي سلمة النهدية، وهارون بن الحصين جاريته أسماء بنت عمرو بن مذل الغطفانية، وأحمد بن الحصين جاريته قبول بنت المعذل الحنظلية، ومحمد بن زرعة العبدي جاريته سلمى بنت عبد العزيز العذرية، وأحمد بن محمد اليشكري جاريته ليلى بنت محصن السعدية، وبشر بن مطر الأزدي جاريته حجل بنت عكاشة الباهلية، وسعيد بن إسماعيل الأسدي جاريته ظلوم بنت مرة الكلبية وعبد الله بن عمرو الطائي جاريته هند بنت المحكم العجلية، ويعقوب بن عبد الكريم الأنصاري جاريته الهيفاء بنت رماحس الكلبية.