نلجج في بحر سكارى بحيرة * فحتى متى لسنا نفيق من السكرى وتوبوا تنالوا جنة الخلد إنما * ينال جنان الخلد من كان ذا صبر قال: فلما سمع بشر بن مطر الأزدي مقالة يحيى وسليمان بن عمرو واستحكم قولهما في قلبه أعجبه ذلك، ثم قال: لقد علم من أعين عقلا وأحضر هما أين موضع الحق - والسلام -، ثم أنشأ يقول:
لعمري لئن بعت الهداية بالعمى * وآثرت غير الحق إني لخاسر أأترك حظي بعد إذ أنا قادر * على أخذه والحق فيه بصائر سأجبر نفسي عن هواها وغيها * بصبر قوي الحزم والحر صابر قال: فلما سمع القوم مقالة بشر بن مطر الأزدي فغمهم ذلك غما شديدا. ثم أقبل هارون بن الحصين على أصحابه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أعظم الرزية بفرقتكم وأجل المصيبة بتباعدكم، والله ما أظن هذا الامر إلا مشتتا جماعتنا، مكدرا علينا صفو عيشنا، لان الذي دعوتنا إليه من مزايلة ما نحن فيه شديد وهو أثبت وأرسخ من أن يزيله العظات أو أن يقلعه الصفات. قال: ثم افترقوا أيضا ليلتهم مغمومين.
فلما كان في الليلة الثالثة اجتمعوا، فلما اطمأن بهم المجلس أقبل عليهم محمد بن زرعة العبدي فقال: يا إخوتاه! اسمعوا عني كلامي وتدبروا بعقولكم فقد أتيتكم بأعجوبة! فقالوا: هات ما بدا لك! فقال: اعلموا أني فارقتكم الليلة وصرت إلى منزلي أرقا شديدا، حتى إذا كان قبيل الصبح أغفيت إغفاء، فإذا أنا بآت قد أتاني في منامي وهو يقول: هذه الأبيات:
يا تارك القصد بعد معرفة * وسالكا غيره من الطرق يحيى وأصحابه على رشد * كما جلى الليل ساطع الفلق فلا تكونن كالمقيم على * دحض مزل (1) أشفى على غرق قال: فلما سمعت ذلك استيقظت فزعا مرعوبا حتى كاد الخفقان أن ينزع قلبي حتى سكنني من كان بحضرتي. قال: فأقبل عليه يعقوب بن عبد الكريم (2)