موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٣
كادت تهد من الأصوات راحلتي * إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل تردي بأسد كرام لا تنابلة * عند اللقاء ولا خرق معازيل (1) فظلت عدوا أظن الأرض مائلة * لما سموا برئيس غير مخذول وقلت: ويل ابن حرب من لقائكم * إذا تغطمطت البطحاء بالجيل (2) إني نذير لأهل البسل ضاحية * لكل ذي إربة منهم ومعقول (3) من جيش أحمد لا وخش تنابلة * وليس يوصف ما أثبت بالقيل (4) فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه (5).
(1) تردي: تسرع. التنابلة: القصار الضعاف. معازيل: الأعزل من السلاح.
(2) تغطمطت: ماجت. الجيل: الخيل.
(3) البسل: الشجاعة.
(4) الوخش: الأوباش.
(5) إعلام الورى 1: 184 وروى بيتين من الشعر. وروى ابن إسحاق في السيرة 3: 108 خبر معبد الخزاعي هنا، وكرر ذكره ومروره بالرسول والمسلمين في بدر الصفراء (الموعد) وبيتين من شعر آخر له 3: 221. وكذلك الواقدي في المغازي 1: 339 و 389 فهل تكرر دوره المشابه؟
وروى ابن إسحاق في السيرة 3: 108 عن عبد الله بن أبي بكر قال: إن أبا سفيان ومن معه لما كانوا بالروحاء قالوا: أصبنا حد أصحابه وأشرافهم وقادتهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم! لنكرن على بقيتهم فلنفرغن منهم. وأجمعوا على الرجعة إلى رسول الله وأصحابه - 3: 108.
قال ابن إسحاق: وكان يوم أحد يوم السبت للنصف من شوال، فلما كان الغد يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال، أذن مؤذن رسول الله في الناس بطلب العدو، وأن: لا يخرجن معنا أحد إلا أحد حضر يومنا بالأمس! فخرج رسول الله حتى انتهى إلى حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال (= 14 كيلو مترا تقريبا) فأقام بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء.
ومر به معبد بن أبي معبد الخزاعي وهو مشرك فقال لرسول الله: يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك، ولوددنا أن الله عافاك فيهم.
ثم خرج ورسول الله بحمراء الأسد، حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء.
فلما رأى أبو سفيان معبدا قال له: ما وراءك يا معبد؟
قال: محمد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما ضيعوا، فيهم من الحنق عليكم، شئ لم أر مثله قط!
قال أبو سفيان: ويحك ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى أرى نواصي الخيل!
قال: لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم! قال: فإني أنهاك عن ذلك! ولقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم شعرا. قال: وما قلت؟ قال: قلت: (الأبيات) فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه - 3: 106 - 109.
وروى ابن هشام عن أبي عبيدة: أن أبا سفيان لما انصرف من أحد وأراد الرجوع إلى المدينة ليستأصل بقية أصحاب رسول الله، قال له صفوان بن أمية: إن القوم قد حربوا، وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي كان، فارجعوا، فرجعوا - 3: 110.
ومر به ركب من عبد القيس، قال لهم: أين تريدون؟ قالوا: نريد المدينة. قال: ولم؟
قالوا: نريد الميرة. قال: فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه؟ واحمل لكم هذه (العير) غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا: نعم. قال: فإذا وافيتموه فأخبروه:
أنا قد أجمعنا المسير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم.
فمر الركب برسول الله وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل... وقال: والذي نفسي بيده لقد سومت لهم حجارة لو صبحوا بها لكانوا كأمس الذاهب - 3: 107 - 110.
وقال الواقدي: كان وجوه الأوس والخزرج: سعد بن عبادةوسعد بن معاذ، وحباب ابن المنذر وأوس بن خولي، وقتادة بن النعمان وعبيد بن أوس في عدة منهم، كانوا قد باتوا في المسجد على باب رسول الله يحرسونه (ليلة الأحد لثمان خلون من شوال).
فلما صلى صلاة الصبح وانصرف منها أمر بلالا أن ينادي: إن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهدالقتال بالأمس!
فخرج سعد بن معاذ راجعا إلى داره يأمر قومه بالمسير، هذا والجراح فاشية في الناس عامة! فجاء سعد بن معاذ فقال: إن رسول الله يأمركم أن تطلبوا عدوكم.
وجاء سعد بن عبادة قومه بني ساعدة فأمرهم بالمسير، فتلبسوا ولحقوا.
وجاء (أبو) قتادة أهل خربي وهم يداوون الجراح فقال لهم: هذا منادي رسول الله يأمركم بطلب عدوكم. فوثبوا إلى سلاحهم وما عرجوا على جراحاتهم...
واستأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك عليهم. فلم يخرج معه أحد لم يشهدالقتال بالأمس غير جابر بن عبد الله الأنصاري فإنه قال لرسول الله: يا رسول الله، إن مناديا نادى: أن لا يخرج معنا إلا من حضر القتال بالأمس، وقد كنت حريصا على الخروج والحضور (بالأمس) ولكن أبي خلفني على أخوات لي وقال: يا بني لا ينبغي لي ولك أن ندعهن ولا رجل عندهن، وأخاف عليهن وهن نسيات ضعاف، وأنا خارج مع رسول الله لعل الله يرزقني الشهادة. فتخلفت عليهن، فاستأثره الله علي بالشهادة وقد كنت رجوتها، فأذن لي يا رسول الله أن أسير معك! فأذن له رسول الله صلى الله عليه [وآله].
ودعا رسول الله - صلى الله عليه [وآله] - بلوائه وهو معقود لم يحل من الأمس فدفعه إلى علي (عليه السلام)... وخرج رسول الله وهو مجروح في وجهه أثر الحلقتين ومشجوج في جبهته في أصول الشعر، وقد انكسرت رباعيته، وجرحت شفته من باطنها، وهو متوهن منكبه الأيمن بضربة ابن قميئة، وركبتاه مجحوشتان... فدخل المسجد فركع ركعتين والناس قد حشدوا. ثم دعا بفرسه على باب المسجد... فركب وعليه الدرع والمغفر ما يرى منه إلا عيناه!
ثم قال لطلحة بن عبيد الله: ترى (أين) القوم الآن؟ قال: هم بالسيالة. فقال رسول الله: ذلك (هو) الذي ظننت، أما إنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح الله مكة علينا!
وبعث رسول الله ثلاثة نفر من أسلم طليعته في آثار القوم، سليطا ونعمان ابني سفيان السهمي الدارمي - ومعهما ثالث لم يسم - ولحقا القوم بحمراء الأسد فبصروا بهما فأصابوهما - 1: 337.
فروى عن بكير بن مسمار قال: إنما نزل المشركون بحمراء الأسد في أول الليل ساعة، ثم