موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج ٢ - الصفحة ٣٥٣
رحلوا وتركوا أبا عزة (عمرو بن عبد الله الجمحي) نائما مكانه، حتى لحقه المسلمون نهارا وهو منتبه يتلفت يمينا وشمالا، فأخذه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري - ١: ٣٠٩.
فروى عن سعيد بن المسيب أنه قال للنبي: يا محمد، إنما خرجت مكرها ولي بنات فامنن علي!
فقال رسول الله: أين ما أعطيتني من العهد والميثاق، لا والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول: سخرت بمحمد مرتين! ١: ١١١ وقال: إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين! ثم أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه ١: ٣٠٩.
وعسكر هناك واقبروا (الأخوين الرسولين) في قبر واحد فقيل لهما: القرينان. وكان عامة زاد المسلمين التمر حمل منه سعد بن عبادة ثلاثين بعيرا، وساق جزرا فنحروا في يوم الاثنين والثلاثاء. وكان رسول الله يأمرهم في النهار بجمع الحطب فإذا أمسوا أمرهم أن يوقدوا النيران فكانوا يوقدون خمسمئة نار، حتى ذهب ذكر نيرانهم ومعسكرهم في كل وجه، وكان ذلك مما كبت الله به عدوهم ١: ٣٣٨.
قال: وكان مما رد الله به أبا سفيان وأصحابه كلام صفوان بن أمية إذ قال لهم: يا قوم لا تفعلوا، فإن القوم قد حربوا وأخشى أن يجمعوا عليكم من تخلف من الخزرج، فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة لهم عليكم - ١: ٣٣٩ وقال لهم: قد أصبتم القوم، فانصرفوا، ولا تدخلوا عليهم وأنتم كالون، ولكم الظفر، وإنكم لا تدرون ما يغشاكم، وقد وليتم يوم بدر فما تبعوكم والظفر لهم عليكم ١: ٢٩٨.
وانتهى معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى النبي وهو مشرك ولكنه سلم للإسلام، فقال له:
يا محمد، لقد عز علينا ما أصابك في نفسك وما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله أعلى كعبك (شرفك) وأن المصيبة كانت بغيرك! ١: ٣٣٨.
ثم مضى معبد حتى وجد أبا سفيان وقريشا بالروحاء وهم مجمعون على الرجوع وعكرمة بن أبي جهل يقول: ما صنعنا شيئا أصبنا أشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم من قبل أن يكون لهم وقر! فلما بدا معبد قال أبو سفيان: هذا معبد وعنده الخبر، ما وراءك يا معبد؟
قال معبد: تركت محمدا وأصحابه خلفي يتحرقون عليكم بمثل النيران، وقد أجمع معه من تخلف عنه بالأمس من الخزرج والأوس، وتعاهدوا أن لا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم! وغضبوا لقومهم ولمن أصبتم من أشرافهم غضبا شديدا! قالوا: ويلك ما تقول؟
قال: والله ما أرى أن ترتحلوا حتى تروا نواصي الخيل، ولقد حملني ما رأيت منهم أن قلت شعرا:
كادت تهد من الأصوات راحلتي * إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل تعدو بأسد كرام لا تنابلة * عند اللقاء، ولا ميل معازيل فقلت: ويل ابن حرب من لقائهم * إذا تغطمطت البطحاء بالجيل فانصرف القوم سراعا خائفين من الطلب لهم. ومر بأبي سفيان نفر من عبد القيس يريدون المدينة، فقال لهم: هل أنتم مبلغو محمد وأصحابه ما أرسلكم به على أن أوقر لكم أباعركم (هذه) زبيبا غدا بعكاظ إذا جئتموني؟ قالوا: نعم. قال: حيثما لقيتم محمدا وأصحابه فأخبروهم: أنا قد أجمعنا (على) الرجعة إليهم! وانطلقوا.
وقدم الركب على النبي وأصحابه بالحمراء فأخبروهم بالذي أمرهم أبو سفيان، فقالوا:
حسبنا الله ونعم الوكيل.
وأرسل معبد رجلا من خزاعة إلى رسول الله يعلمه: أن قد انصرف أبو سفيان وأصحابه خائفين وجلين. فانصرف رسول الله راجعا إلى المدينة ١: ٣٤٠ فيقال: إن رسول الله قال:
نهاهم صفوان بن أمية ١: ٢٩٨. أو قال: أرشدهم صفوان وما هو برشيد. ثم قال: والذي نفسي بيده! لقد سومت لهم الحجارة، ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب! ١: ٣٣٩.
وقال ابن إسحاق في السيرة ٣: ١١٠: وأخذ رسول الله قبل رجوعه إلى المدينة معاوية ابن المغيرة بن أبي العاص بن أمية، وهو أبو عائشة أم عبد الملك بن مروان - بعث عليه زيد ابن حارثة وعمار بن ياسر وقال لهما: إنكما ستجدانه بمكان كذا وكذا، فوجداه فقتلاه - ٣:
١١٠ و ١١١.
وقال الواقدي: وأقام معاوية بن المغيرة بالمدينة حتى كان اليوم الثالث، فجلس على راحلته وخرج، حتى كان في أوائل وادي العقيق (وكان رسول الله قريبا منه) فقال: إن معاوية قد أصبح قريبا فاطلبوه.
فخرج الناس في طلبه، حتى أدركوه في اليوم الرابع، أدركه عمار بن ياسر وزيد بن حارثة بالجماء... ويقال: أدركاه بثنية الشريد على ثمانية أميال من المدينة (وعليه فهو قريب من حمراء الأسد) فاتخذاه غرضا فلم يزالا يرميانه بالنبل والحجارة حتى مات ١:
٣٣٣ و ٣٣٤. وجاء في الخبرين عن " فروع الكافي " و " الخرائج " الذين مر صدرهما اسم المدركين لهذا الرجل، مع الاختلاف في اسمه واسمهما: فاسم الرجل جاء - كما مر - المغيرة بن أبي العاص (عم عثمان لا معاوية بن المغيرة، ابن عمه) وجاء اسم الرجلين المدركين له: زيد بن حارثة وعمار، ولكن في الخبرين: ففي خبر " الكافي ": فانتهى إلى شجرة سمرة فاستظل بها، فأتى رسول الله الوحي فأخبره بذلك، فدعا عليا (عليه السلام) فقال له: خذ سيفك فانطلق أنت وعمار فأت المغيرة بن أبي العاص تحت شجرة كذا وكذا. وفي خبر " الخرائج ": فأتى شجرة فجلس تحتها فجاء الملك فأخبر رسول الله بمكانه، فبعث إليه رسول الله زيدا والزبير وقال لهما: إئتياه في مكان كذا وكذا فاقتلاه. وكان رسول الله قد آخى بين زيد والحمزة، فقال زيد للزبير: إنه ادعى أنه قتل أخي حمزة فاتركني أقتله فتركه الزبير فقتله زيد. الخرائج والجرائح ١: ٩٤ - ٩٦ وفروع الكافي ٣: ٢٥١ ح ٨ وفي التهذيب ٣: ٣٣٣ ح 69.