فراشه، على شقة القبر في الحجرة النبوية، ثم بدأ هو بالصلاة وخلفه الرجال من آله حتى إذا فرغوا أدخل النساء... (1) ولعل أقسى محنة اجتازتها نفس بشرية كانت تلك الأيام المت بعلي إذ وقف جوف ذلك الليل على حافة قبر الرسول بعد أن وسد الجثمان الكريم مرقده وخرج من القبر ليهيلوا التراب... (2) وقف علي إلى جواز القبر، شاخص العين، لا يطرف له هدب، ولا يهدأ قلب، ولا يثوب لب، كالرائي وليس براء... حتى تعود به إلى الانتباه، أصوات المساحي تنطلق في جوف الليل، وهي تهيل التراب على المثوى، كأنها تعلن عن دفن محمد، وتخبر الناس أن شخصه الحبيب أصبح الآن من كيان الماضي عصيا على العيون، والآذان، حيا في الخواطر، والأذهان... طواه القبر، وإن نشره الذكر، ومضى جسما; ثابت علي نفسه هنيهة. ثم أكب على القبر بوجهه يرويه بماء عينيه. وازدخرت في صدره لواعج حزنه. وثكله فود لو استطاع أن ينفس عنها بلسان لم يخنه قبل لحظته هذه في مقام.
ولكن بيانه المستفيض نبا عنه فيضه، ولم يخلف سوى كليمات قصار ندت عن شفتيه كمثل تردد أنفاس الذي يعاني الاحتضار:
" إن الصبر جميل، إلا عنك يا رسول الله. وإن الجزع لقبيح، إلا عليك.
وإن المصاب بك لجليل، وإنه قبلك، وبعدك لجلل... ".