يرتاض من تعاطى قول الشعر بالنظر فيه، ويسلك المنهاج الذي سلكه الشعراء ويتناول المعاني اللطيفة كتناولهم إياها، فيحتذي على تلك الأمثلة في الفنون التي طرقوا أقوالهم فيها.
3 وله كتاب في العروض قال عنه ياقوت: إنه لم يسبق إلى مثله وقد سبقت الإشارة اليه.
4 وكتاب سنام المعالي ولا أدرى عنه شيئا.
5 وكتاب في المدخل في معرفة المعمى من الشعر، وعنوانه يدل على موضوعه، فهو شرح لأبيات غامضة المعنى، يدل على تعمق صاحبه في فهم غريب الأشعار، وادراك معانيها الغامضة.
6 وكتاب في تقريظ الدفاتر سبق أن أشرنا إليه.
7 وكتاب في الشعر والشعراء نسبه إليه ابن النديم، ولعله كتاب تهذيب الطبع الذي لم يذكره صاحب الفهرست.
8 وديوان شعره.
ولم يبق لنا من ذلك اليوم، فيما أعرف، سوى كتاب عيار الشعر، وبضع قصائد وأبيات متناثرة أوردها معجم الأدباء، ومحاضرات الأدباء وتحفة العجائب وطرفة الغرائب، وكتاب التشبيهات، والمحمدون من الشعراء وأشعارهم، والمصون في الأدب.
وقد يورد بعض هؤلاء بيتا أو بيتين، ثم يقول: وهي أبيات كثيرة ذات أوصاف ويقول القفطي في كتابه: المحمدون من الشعراء وأكثر شعره في الغزل والآداب.
ومما يذكر ان ابن طباطبا كان يؤمن، لتمكنه من اللغة، بمقدرته على أن يتجنب من الكلمات ما يصعب النطق به على من بلسانه عيب يحول بينه وبين النطق ببعض الحروف، ويروي عنه أنه قال: والله أنا أقدر على أبي الكلام من واصل بن عطاء.
ويروون للتدليل على ذلك أن ولدا لأحد أعيان الرجال كانت به لكنة شديدة حتى كان لا يجري على لسانه حرفان من حروف المعجم، هما:
الراء، والكاف، يضع الغين مكاني الراء، والهمزة مكان الكاف، فكان إذا أراد أن يقول: كركي يقول: أ ع أ ى فعمل ابن طباطبا قصيدة في مدح أبيه، حذف منها حرفي لكنة الولد، ولقنه إياها، حتى رواها لأبيه، ففرح بها فرحا شديدا. ومن تلك القصيدة.
يا سيد دانت له السادات * وتتابعت في فعله الحسنات وتواصلت نعماؤه عندي، فلي * منه هبات خلفهن هبات وهي قصيدة طويلة تبلغ تسعة وأربعين بيتا ختمها بقوله:
لو واصل بن عطاء الباني لها * تليت، توهم انها آيات لولا اجتنابي ان يمل سماعها * لأطلتها ما خطت التاءات وليس شعره ما يرفعه، حتى إلى درجة أوساط الشعراء، ولكنه مما لا شك فيه أن معالجته لنظم الشعر جعلت له نظرات صائبة في النقد الأدبي، لأنها ناشئة عن ممارسة وتجربة.
وكثير من آرائه في النقد الأدبي لم تفقد مع الزمن صحتها وجدتها.
بل أن له بعض التعبيرات التي تشبه إلى حد كبير تعبيراتنا الحديثة.
أ فمن أثر ممارسته لنظم الشعر هذا الرأي الذي أبداه في طريقه قرض الشعر، وأغلب الظن انه كان يتبع هذا النهج في صنع قصائده.
يقول ابن طباطبا: إذا أراد الشاعر بناء قصيدة مخض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرا، وأعد له ما يلبسه إياه من الألفاظ التي تطابقه، والقوافي التي توافقه، والوزن الذي يسلس له القول عليه،، فإذا اتفقوا له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه أثبته، وأعمل فكره في شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني، على غير تنسيق للشعر، وترتيب لفنون القول فيه، بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه، على تفاوت ما بينه وبين ما قبله، فإذا كملت له المعاني، وكثرت الأبيات، وفق بينها بأبيات تكون نظاما لها، وسلكا جامعا لما تشتت منها. ثم يتأمل ما قد أداه اليه طبعه، ونتجته فكرته، فيستقصى انتقاده، ويرمى ما وهي منها، ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية. وان اتفقت له قافية قد شغلها في معنى من المعاني، واتفق له معنى آخر مضاد للمعنى الأول، وكانت تلك القافية أوقع في المعنى الثاني منها في المعنى الأول، نقلها إلى المعنى المحار الذي هو أحسن، وأبطل ذلك البيت أو نقض بعضه وطلب لمعناه قافية تشاكله، ويكون كالنساج الحاذق... وكالنقاش الرفيق الذي يضع الأصباغ في أحسن تقاسيم نقشه. ويشبع كل صبغ منها، حتى يتضاعف حسنه في العيان.
تلك هي الخطة التي أوصى ابن طباطبا بانتهاجها في نظم القريض أن يختار الشاعر الوزن والقافية، ثم يتقبل ما يجود به خاطره من شعر يتعلق بالمعنى الذي يريد النظم فيه، ثم يقوم بتثقيفه وترتيبه، حتى تصبح القصيدة مترابطة منسقة.
واختيار الشاعر للوزان والقافية مما يطالب به ابن طباطبا صانع الشعر، حتى لا يقع في وزن يصعب عليه المعنى فيه. وقد كرر الدعوة إلى اختيار القافية في موضع آخر من كتبه بعد أن حصر ألوان القوافي، فقال:
اختر من بينها أعذبها، وأشكلها للمعنى الذي تروم بناء الشعر عليه، وذلك حتى لا يقع الشاعر في قافية لا تسلس لخواطره، ولا تنقاد لمعانيه.
ب وإذا كان ابن طباطبا قد دعا إلى أن يضع الشاعر بين أبياته ما يربط بين هذه الأبيات حتى تتسق القصيدة، فذلك لأنه دعا إلى وحدة القصيدة دعوة حارة، وهو في ذلك يشبه آراء النقاد المحدثين إذ يقول:
وأحسن الشعر ما ينتظم القول فيه انتظاما ينسق به أوله مع آخره،...
فان قدم بيت على بيت دخله الخلل... فان الشعر إذا أسس تأسيس كلمات الحكمة المستقلة بذاتها، والأمثال السائرة الموسومة باختصارها، لم يحسن نظمه، بل يجب أن تكون القصيدة كلها ككلمة واحدة،. في اشتباه أولها بآخرها، نسجا حسنا، وفصاحة وجزالة ألفاظ، ودقة معان، وصواب تأليف، ويكون خروج الشاعر من كل معنى يصنعه إلى غيره من المعاني خروجا لطيفا،... حتى تخرج القصيدة كأنها مفرغة إفراغا...
تقتضي كل كلمة ما بعدها. ويكون ما بعدها متعلقا بها، مفتقرا إليها.
ولكن ينبغي أن نشير هنا إلى أن ابن طباطبا مع دعوته إلى وحدة القصيدة والتلاؤم بين أجزائها، لم يمنع أن تشتمل القصيدة على الغزل