ولكل من الطرفين جعل كتبا: فكتبه الفلسفية ألفها ويستهدف فيها تأييد ما جاء في الشرع الاسلامي بالفلسفة، وكتبه الدينية ألفها ويستهدف فيها تأييد ما جاء في فلسفته بالشرع. فحق ان نعد كتبه الفلسفية كتبا دينية ونعد كتبه الدينية كتبا فلسفية وهذا معنى ما قلناه آنفا ان كتبه الدينية كانت امتدادا لفلسفته.
وهو بهذا الأسلوب من المزج بين الفلسفة والدين والتوفيق بينهما سواء كان مصيبا أو مخطئا كان صاحب مدرسة جديدة أخرى هو المؤسس لها حقا، وان كان الواضع لبذرتها الخواجا نصير الدين الطوسي في التوفيق بين الفلسفة والكلام.
بل في الحقيقة ان فيلسوفنا له مدرسة واحدة هي الدعوة إلى الجمع بين المشائية والإشراقية والإسلام. هذه العناصر الثلاثة هي عمدة أبحاثه ومنهجه العلمي في مؤلفاته جعلت منه مؤسسا لمدرسة جديدة بكل ما لهذه الكلمة من معنى في الفلسفة الإلهية، ويمثلها حق التمثيل من كتبه أسفاره الأربعة.
منهجه العلمي في التاليف تبتني فلسفته في كل ما ألف حتى كتبه الدينية التي قلنا انها جزء من فلسفته وامتداد لها على حصر العلوم الحقيقية والمعارف اليقينية في العلم بالله وبصفاته وملكه وملكوته، والعلم باليوم الآخر ومنازله ومقاماته، لأنه يجد ان الغاية المطلوبة وكم يكرر ذلك في كتبه لا سيما في مقدماتها هي تعليم ارتقاء الانسان من حضيض النقص إلى أوج الكمال الذي لا حد له بالنسبة إلى الانسان خاصة من بين سائر المخلوقات وبيان كيفية سفره إلى الله تعالى، قال في الاسفار عن كتابه 1 9: عرضنا فيه بيان طريق الوصول إلى الحق وكيفية السير إلى الله.
ان هذا الهدف وحده يبتني عليه منهج التاليف في كل كتبه المطولة والمختصرة، وهو قطبها وعليه تدور رحاها. حتى كتبه الدينية التي يعنيه منها تطبيق الشرع على فلسفته، كما سبق آنفا.
ولهذا الهدف حسب تقريره ستة مقاصد: ثلاثة منها كالدعائم والأصول، وثلاثة كاللواحق. وركز مؤلفاته على الدعائم، وهي:
1 معرفة الحق الأول وصفاته وآثاره. وهو فن الربوبيات الذي هو جزء من الفلسفة الكلية. وإذا بحث عن الفلسفة الكلية كما في الاسفار فالبحث عنها انما هو عنده لهذه الغاية ليس إلا.
2 معرفة الصراط المستقيم، ودرجات الصعود اليه تعالى، وكيفية السلوك اليه وهو علم النفس الذي هو جزء من العلم الطبيعي.
وإذا بحث عن العلم الطبيعي كما في الاسفار أيضا فالبحث عنه لهذه الغاية عنده.
3 معرفة المعاد والمرجع اليه تعالى وأحوال الواصلين اليه والى دار رحمته علم المعاد.
هذه الدعائم الثلاث هي محور مؤلفاته عليها تدور ولها تستهدف واما اللواحق فلم يفرد لها تأليفا، وانما يذكرها عرضا وبالتبع في غضون أكثر مؤلفاته، لأنها لواحق تلك الدعائم. وهي:
1 معرفة المبعوثين من عند الله لدعوة الخلق ونجاة النفس، وهم قواد سفر الآخرة ورؤساء القوافل. يعني الأنبياء والأوصياء، بل الأولياء.
2 حكاية أقوال الجاحدين وكشف فضائحهم. وهم قطاع الطريق في سفر الآخرة.
3 تعليم عمارة المنازل والمراحل في ذلك السفر، وكيفية اخذ الزاد والراحلة له، والاستعداد برياضة المركب وعلف الدابة ويقصد بالمركب والدابة النفس وهو الذي يسمى علم الاخلاق.
وهو في تحصيل ذلك الهدف سلك الطريقة المتقدم ذكرها وهي الجمع بين المشائية والإشراقية والإسلام، اي انه يذكر الأدلة المنطقية على مطلوبه، ويذكر مكاشفاته ومشاهداته العرفانية ويستشهد بالأدلة السمعية.
وهذه المنهج يسلكه في أكثر كتبه لا سيما الاسفار أمها، نعم بعض المؤلفات خصه بالمسلك العرفاني، والبعض الآخر بالمسلك البحثي.
اما المختصة بالمسلك العرفاني فهي الشواهد الربوبية والعرشية وأسرار الآيات والواردات القلبية، على ما بينها من الاختلاف في التطويل والاختصار واسماؤها تنم عن ذوقها العرفاني وفي خصوص الأخير الواردات القلبية سلك مسلك الكهان المتحذلقين في التسجيع والتعقير وتلمس الاغراب، كأنما يريد: ان يظهرها بمظهر الإلهامات الإلهية التي ورد بها آمر قلب ودفعت إليها إشارة مشير غيب على حد تعبيره في مقدمة الشواهد ص 3 فامتثل ذلك الامر والمأمور معذور ويبدو انه يريد أن يقول إنه فاقد للاختيار وانه مجبور. فهي تشبه ان تكون عنده من نحو النصوص الدينية والأحاديث القدسية، كما يرى هو ذلك في كلمات ابن عربي قال في مقدمة العرشية: بل هذه قوابس مقتبسة من مشكاة النبوة والولاية مستخرجة من ينابيع الكتاب والسنة. من غير أن تكتسب من مناولة الباحثين ومزاولة صحبة المعلمين.
وسلك في شرحه للهداية الأثيرية وشرحه لآلهيات الشفا مسلك البحث الصرف اتباعا لطريقة المتن. ولذا لما ندت منه بادرة في السلوك العرفاني مرة في شرحه للشفا اعتذر عن ذلك فقال ص 167 من هذا الشرح: وليعذرنا اخوان البحث في الخروج عن طورهم تشوقا إلى طور المكاشفة وتحننا إلى عالم الملكوت ثم هو حينما يسلك الطريقين في تأليفه لا سيما في الاسفار يشرع أولا في البحث على طريقة النظار وأهل البحث ثم يذكر مشاهداته العرفانية ومكاشفاته اليقينية شفقة على المتعلمين كما يقول. وهي عادة الفلاسفة لسهولة التعليم الاسفار ج ص 18 ثم قال ص 19: ونحن أيضا سالكو هذا المنهج في أكثر مقاصدنا الخاصة، حيث سلكنا أولا مسلك القوم في أوائل الأبحاث وأوساطها ثم نفترق عنهم في الغايات، لئلا تنبو الطبايع عما نحن بصدده في أول الامر بل يحصل لهم الاستيناس به، ويقع