الوحدة ولم يروا سوى الله اما الكامل الراسخ فهو ذو العينين السليمتين:
ويعلم أن كل ممكن زوج تركيبي له وجهان، وجه إلى نفسه ووجه إلى ربه، فبالعين اليمنى ينظر إلى وجه الحق اي وجه ربه فيعلم أنه الفائض على كل شئ والظاهر في كل شئ فيعود اليه كل خير وكمال وفضيلة وجمال. وبالعين اليسرى ينظر إلى الخلق اي وجه نفسه ويعلم أنه ليس له حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ولا شان الا قابلية الشؤون والتجليات وفي ذواتها اعدام ونقائص، قائلا لسان مقاله طبق لسان حاله:
رق الزجاج ورقت الخمر * فتشابها وتشاكل الامر فكأنه خمر ولا قدح * وكأنه قدح ولا خمر والسر في ذلك: أن الوجودات وأن تكثرت وتمايزت الا أنها من مراتب تعينات الحق الأول وظهورات نوره وشؤونات ذاته. لا أنها أمور مستقلة وذوات منفصلة باعتبار أنها معلولة للحق الأول والمعلول طور من أطوار العلة وشان من شؤونها فالوجود الحقيقي ظاهر بذاته بجميع أنواع الظهور ومظهر لغيره، وبه تظهر الماهيات، وله ومعه، وفيه، ومنه. ولولا ظهوره في ذوات الأكوان واظهاره لنفسه بالذات ولها بالعرض لما كانت ظاهرة موجودة بوجه من الوجوه، بل كانت باقية في حجاب العدم وظلمة الاختفاء.
ويستشهد دائما بكلمات أمير المؤمنين ع لأداء هذا الغرض كقوله: هو مع كل شئ لا بمقارنة وفي كلمة أخرى لا بممازجة وغير كل شئ لا بمزايلة وفي حكمة أخرى لا بمباينة لأن وجوده منبسط على جميع الكائنات، وجميع الموجودات انما هي رشحات نوره، وإن كان كل موجود بحدوده العدمية وبقيوده الإمكانية غير الله تعالى. ويضرب لذلك أمثلة في الاسفار لتقريب هذا المعنى يطول ذكرها، كتقريبه بانبساط نور الشمس على المرئيات، وبصورة المرآة وبأمواج البحر.
وعلى كل حال فالمترجم يتفق مع القائلين بتعدد الوجود والموجود من دون تجوز، ولكن لما كان كل وجود معلولا فهو في حد ذاته متعلق بغيره ومرتبط به، فيجب أن تكون ذاته الوجودية ذاتا تعليقة وجوده وجودا تعليقا، لا بمعنى أنه شئ وذلك تكون ذاته الوجودية ذاتا تعلقية وجوده وجودا تعلقيا، لا بمعنى أنه شئ وذلك الشئ موصوف بالتعلق، بل هو بما هو عين معنى التعلق بشئ.
إلى أن يقول: ولا يمكن للعقل أن يشير في المعلول إلى هوية منفصلة عن هوية موجده حتى تكون هناك هويتان مستقلتان في الإشارة العقلية إحداهما مفيضة والأخرى مفاضة.
ويتفق أيضا مع المتصوفة في القول بوحدة الوجود والموجود من دون تجوز، ولكن لا بان يفهم من ذلك الحلول والاتحاد لأن ذلك معناه الاثنينية في أصل الوجود ولا بان يفهم أن الممكنات اعتبارات محضة، كيف وأن لكل منها آثارا مخصوصة واحكاما خاصة ولا نعني بالحقيقة الا ما يكون مبدأ اثر خارجي ولا نعني بالكثرة الا ما يوجب تعدد الاحكام والآثار، فكيف يكون الممكن لا شيئا في الخارج ولا موجودا فيه.
والحاصل إذا ثبت تناهي سلسلة الموجودات إلى حقيقة واحدة بسيطة ظهر أن لجميع الموجودات إلى حقيقة واحدة هي الموجودة لها ذاته بذاته وجود وموجود وموجد. فهو الحقيقة، والباقي شؤونه.
فهذا هو معنى وحدة الوجود والموجود: أن الوجود والموجود المستغني بذاته واحد لا شريك له، وهو الذي يصدق عليه أنه وجود وموجود وموجد بنفس ذاته لا بجعل جاعل وليس هو الا الواجب تعالى. وما سواه فهو محض الفقر والفاقة والتعلق والارتباط بالواجب لا استقلال له في الوجود.
وهذا معنى المجاز العرفاني.
وفي الحقيقة ليس هذا قولا بوحدة الوجود، ولا ينبغي التعبير عنه بوحدة الوجود، كما لم يعبر هو. وانما هو قول بالتوحيد الخاص أو الأخصي ولسنا أعداء لكلمة التوحيد. بل أعداء الاتحاد.
قال في المشاعر ص 83: إياك أن تزل قدمك من استماع هذه العبارات وتتوهم أن نسبة الممكنات اليه تعالى بالحلول أو الاتحاد ونحوهما، هيهات! أن هذه تقتضي الاثنينية في أصل الوجود.
وإذا سلم صاحبنا من هذه المؤاخذة فكل مؤاخذة أخرى يهون امرها، وليس الانسان معصوما من الخطأ.
رأيه في ابن عربي يكثر من النقل عن محيي الدين بن عربي المتوفى سنة 638 في جميع كتبه ولا يذكره الا بالتقديس والتعظيم، كالتعبير عنه بالحكيم العارف والشيخ الجليل المحقق ونحو ذلك. بل في بعض المواضع ما يشعر بان قوله عنده من النصوص الدينية التي يجب التصديق بها ولا يحتمل فيها الخطأ.
هذا رأيه فيه، بينما أن ابن عربي هذا سماه بعض الفقهاء بمميث الدين أو ماحي الدين بل قيل: أن كل من يرى في ابن عربي حسن اعتقاد ويعتقد بآرائه فان الفقهاء لا بد أن يعدوه كافرا ولئن دافع عنه القاضي السيد نور الدين التستري في مجالس المؤمنين وأول كثرا من كلماته، فان صاحب الوضات ص 705 لم يرضه ذلك، وقال: لو كان الامر كذلك لما بقي على وجه الأرض كافر ولا هالك وكان المترجم استشعر هذه المؤاخذة عليه، فاعتذر عن ذلك في شرحه لأصول الكافي الذي له قراء مخصوصون غير قراء كتبه الفلسفية، فقال في مقدمته ص 5: وليعذرني إخواننا أصحاب الفرقة الناجية ما أفعله في أثناء الشرح وتحقيق الكلام وتبيين المرام من الاستشهاد بكلام بعض المشايع المشهورين عند الناس وأن لم يكن مرضي الحال عندهم، نظرا إلى ما قال امامنا أمير المؤمنين ع: لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال وطبعا لم يقصد ببعض المشايخ غير ابن عربي لأنه لا يستشهد بكلام غيره من مشايخ الصوفية الا نادرا جدا.
ولكن هذا الاعتذار، وتبريره بقول أمير المؤمنين ع لم يرفع