المؤاخذة عليه في الاستشهاد بكلامه لأنه أولا لم يعتذر عنه في كتاب آخر، وثانيا حينما يخالفه في الرأي كثيرا ما يحاول توجيه كلامه على الوجه الذي يليق به، اكبارا له باعتباره من أعاظم الآلهيين القديسين عنده خذ مثالا لذلك مخالفته في مسالة علم الله، فإنه استعظم عليه أن يقول بثبوت المعدومات فقال في الاسفار معتذرا عنه وذكره بلفظ الجمع باعتباره الممثل لطائفة مشايخ الصوفية: لكن لحسن ظننا بهؤلاء الأكابر لما نظرنا في كتبهم ووجدنا منهم تحقيقات شريفة مطابقة لما أفاضه الله على قلوبنا مما لا شك فيه حملنا ما قالوه ووجهنا ما ذكروه حملا صحيحا ووجيها... ثم ذكر توجيهه لقوله.
وهذا الاعتذار عنه يجعل الاعتذار عن الاستشهاد بأقواله لا قيمة له في نظر من يرى في ابن عربي مميتا للدين أو ماحيا له.
وأعظم من ذلك أنه في مسالة حدوث العالم في السفر الثاني من الاسفار يذكر فصلا فيه بعنوان فصل في نبذ من كلام أئمة الكشف والشهود من اهل هذه الملة البيضاء في حدوث العالم، ص 176. ولا يذكر في هذا الفصل الا كلمات لأمير المؤمنين ع ثم يقول:
واما الكلام اهل التصوف والمكاشفين فينقل عبارات لابن عربي فقط، وحينما يختمها يقول: انتهى كلامه الشريف فعده من أئمة الكشف والشهود وجعله في صف أمير المؤمنين عليه السلام، ووصف كلامه بالشريف يجعله أعظم من أن يصح في الاعتذار بأنه لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قيل.
وهو بعد لا يجعل أحدا من الفلاسفة في رتبته، حتى الشيخ الرئيس والشيخ نصير الدين الطوسي، فإنه لا يتأخر عن نقدهما ولا يتحرج من تفنيد آرائها دون ابن عربي. وقد سمعت كيف كان يتحاشى من مخالفته ويوجه كلامه. وإذا خالفه في بعض نكات البحث فإنه يرقق العبارة بما لا يوجب طعنا فيه راجع الاسفار 4: 161 و 166 على الضد من مخالفته للشيخين الرئيس والطوسي.
وأكبر الظن أن الذي اخذ بمجامع قلب صاحبنا صدر المتألهين من هذا الشيخ اعجابه بآرائه في الوجود التي قال عنها كما تقدم: لما نظرنا في كتبهم وجدنا منهم تحقيقات شريفة مطابقة لما أفض الله على قلوبنا وتغافل عن آرائه الأخرى التي يختلف معه فيها أو لم يطلع عليها على أبعد الفروض. وفي الواقع لا يريد من التعبير بكتبهم الا كتب هذا الشيخ وتلاميذه. ولا يريد من التحقيقات الشريفة الا آراءه في الوجود واحكام الموجودات التي هي أعني هذه الآراء سر فلسفة صاحبنا في جميع مذهبه العرفاني. قال في المشاعر ص 5: ولما كانت مسالة الوجود رأس القواعد الحكمية، ومبنى المسائل الإلهية والقطب الذي تدور عليه رحى علم التوحيد وعلم المعاد وحشر الأرواح والأجساد، وكثير مما تفردنا به باستنباطه وتوحدنا باستخراجه فمن جهل بمعرفة الوجود يسري جهله في أمهات المطالب ومعظماتها والذهول عنها.
وكم يتبجح في كل مناسبة انها لم تنفتح لغيره من ذوي الأبحاث النظار كالشيخ الرئيس وأضرابه، وفي جنب ذلك يستشهد بكلام ابن عربي لتأييد آرائه. قال في الاسفار 4: 124: أن هذه الدقيقة وأمثالها من احكام الموجودات لا يمكن الوصول إليها الا بمكاشفات باطنية... ولا يكفي فيها القواعد البحثية.... ثم قال بعد صفحة عن الشيخ الرئيس: والعجيب أنه كلما انتهى بحثه إلى تحقيق الهويات الوجودية دون الأمور العامة تبلد ذهنه وظهر منه العجز.
وفي موضع آخر من هذا السفر ص 130 يقول ويعني نفسه:
اني اعلم من المشتغلين بهذه الصناعة من كان رسوخه بحيث يعلم من أحوال الوجود أسرارا تقصر الافهام الذكية عن دركها، ولم يوجد مثلها في زبر المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والعلماء، لله الحمد وله الشكر.
وبالطبع لا يقصد بزبر المتأخرين ما يشمل زبر ابن عربي كيف وهو لا يفتر من الاستشهاد بأقوال هذا الشيخ في أكثر هذه المجالات تأييدا لآرائه.
موقفه مع الفقهاء من الأمور التي سجلت على المترجم تحامله على الفقهاء وتوهينه لهم، بل على كل من اشتغل في العلوم، عدا من لهم رسوخ في الحكمة العرفانية.
قال صاحب المستدرك ج 3 ص: قد أكثر في كتبه من الطعن على الفقهاء وحملة الدين وتجهيلهم وخروجهم من زمرة العلماء.
والحق أن صاحبنا تجاوز الحد في الشكوى الثائرة والنقد القاسي الذي لا يطاق راجع الرسائل الثمان له ص 258 في رسالة الواردات القلبية وفي تفسيره ص 352 في تفسير آية الكرسي، حينما بحث عن مسالة انقطاع العذاب، واستشعر مخالفة كلامه لاجماع الفقهاء اخذ يقارن بين أصحابه أصحاب الشهود والعرفان وبين الفقهاء، فالفقهاء عنده وأن كانوا عالمين باحكام الله الا انهم في معرفة الذات والصفات والأفعال الآلهية كباقي المقلدين من المؤمنين، بخلاف اهل التوحيد الشهودي.
ثم يطلب من خصومه وهم الفقهاء الا يظن أحد منهم في اهل التوحيد الشهودي أن ورعهم في أمور الدين واحتياطهم في عدم القول في مسالة شرعية بمجرد الظن والتخمين يكون أقل من ورع غيرهم واحتياطهم. هيهات! هذا من بعض الظن.
ثم يأخذ بالثناء على اهل التوحيد الشهودي بما يرفع من ضبعهم، ثم يقيسهم بغيرهم وهم من الفقهاء فيقول: وانى يوجد لغيرهم ما كان لهم. وهم في الحقيقة أولياء الله وقوام الدين وفقهاء شريعة سيد المرسلين.
وهنا حتى كلمة الفقهاء يريد أن يسلبها من علماء الفقه ويعطيها لأصحاب الشهود.
وزاد على ذلك حتى جعل كل آية قرآنية، وكل حديث نبوي، في مدح المؤمنين، مختصا باهل الشهود التوحيدي، إلى أن يقول: فالقدح