سنة تسع.
وجزم ابن النجار بأن عمله كان في سنة ثمان وفيه نظر أيضا لما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة قالت: " فثار الحيان الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى.
وحكى بعض أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب على منبر من طين قيل أن يتخذ المنبر الذي من خشب ويعكر عليه أن في الأحاديث الصحيحة أنه كان يستند إلى الجذع إذا خطب ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بين بكار في (أخبار المدينة) بإسناده إلى حميد بن عبد الرحمن ابن عوف قال: " بعث معاوية إلى مروان وهو عامله على المدينة - أن يحمل إليه المنبر فأمر به فقلع فاظلمت المدينة فخرج مروان فخطب وقال: إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه فدعا نجارا وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم ". ورواه من وجه آخر قال: فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم وقال: " فزاد فيه ست درجات وقال: إنما زدت في حين كثر الناس قال ابن النجار وغيره: استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن احترق مسجد المدينة سنة أربع خمسين وستمائة فاحترق ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا ثم أرسل الظاهر بيبرس بعد عشر سنين منبرا فأزيل منبر المظفر فلم يزل ذلك إلى هذا العصر فأرسل الملك المؤيد سنة عشرين وثمانمائة منبرا جديدا وكان أرسل في سنة ثماني عشرة منبرا جديدا إلى مكة أيضا شكر الله له صالح عمله آمين.
قوله: (فعملها من طرفاء الغابة) في رواية سفيان عن أبي حازم من أثلة الغابة كما تقدم في أوائل الصلاة ولا مغايرة بينهما فإن الأثل هو الطرفاء وقيل يشبه الطرفاء وهو أعظم منه و الغابة بالمعجمة وتخفيف الموحدة موضع من عوالي المدينة جهة الشام وهي اسم قرية بالبحرين أيضا وأصلها كل شجرة ملتف قوله: (فأرسلت) أي المرأة تعلم بأنه فرغ.
قوله: (فأمر بها فوضعت) أنث لإرادة الأعواد والدرجات ففي رواية مسلم من طريق عبد العزيز بن أبي حازم فعمل له هذه الدرجات الثلاث.
قوله: (ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها) أي على الأعواد وكانت صلاته على الدرجة العليا من المنبر.
قوله: (وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها ثم نزل القهقرى والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف.
والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر فأفادت هذه الرواية تقدم الخطبة على الصلاة.
قوله: (في أصل المنبر) أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه.
قوله: (ثم عاد) زاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من صلاته.
قوله: (ولتعلموا) بكسر اللام وفتح المثناة وتشديد اللام أي لتتعلموا وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض ويستفاد منه أن من فعل شيئا يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه.
وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة كان أو غيره. وفيه جواز قصد تعليم المأمومين أفعال الصلاة بالفعل وجواز العمل اليسير في الصلاة وكذا الكثير إن تفرق وقد تقدم البحث فيه وكذا في جواز ارتفاع الإمام في باب الصلاة في السطوح وفية استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه واستحباب الافتتاح بالصلاة في كل شئ جديد إما شكرا وإما تبركا.
وقال ابن بطال: إن كان الخطيب هو الخليفة فسنته أن يخطب على المنبر وإن كان غيره يخير بين أن يقوم على المنبر أو على الأرض.
وتعقبه الزين بن المنير بأن هذا خارج عن مقصود الترجمة ولأنه إخبار عن شئ أحدثه بعض الخلفاء فإن كان من الخلفاء الراشدين فهو سنة متبعة وإن كان من غيرهم فهو بالبدعة أشبه منه بالسنة.
قلت: ولعل هذا هو حكمة هذه الترجمة أشار بها إلى أن هذا التفصيل غير مستحب ولعل مراد من استحبه أن الأصل أن لا يرتفع الإمام عن المأمومين.
ولا يلزم من مشروعية ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ثم لمن ولى الخلافة أن يشرع لمن جاء بعدهم وحجة الجمهور وجود الاشتراك في وعظ السامعين وتعليمهم بعض أمور الدين والله الموفق (فتح الباري): 2 / 504 - 508 باب (26) الخطبة على المنبر حديث رقم (917) باختلاف يسير في اللفظ.
(2) (سنن أبي داود): 1 / 651 - 652 كتاب الصلاة باب (221) في اتخاذ المنبر حديث رقم (1080).
قال الخطابي في (معالم السنن): الغابة موضع قريب من المدينة من عواليها من ناحية الشام. والطرفاء: شجر من شجر البادية واحدها طرفة بفتح الطاء مثل قصبة وقصباء.
قلت: الغابة الفيضة وجمعها غابات وغاب. ومنه قولهم ليث غاب قال الشاعر:
وكنا كالحريق أصاب غابا * فتخبو ساعة وتهب ساعا.
وفيه من الفقه: جواز أن يكون مقام الإمام أرفع من مقام المأموم إذا كان ذلك لأمر يعلمه الناس ليقتدوا به وفيه أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة وإنما نزل القهقرى لئلا يولي الكعبة قفاه.
فأما إذ قرأ الإمام السجدة وهو يخطب يوم الجمعة فإنه إذا أراد النزول لم يقهقر ونزل مقبلا على الناس بوجهه حتى يسجد وقد فعله عمر بن الخطاب.
وعند الشافعي أنه إن أحب أن يفعله فعل. فإن لم يفعله أجزأه وقال أصحاب الرأي:
ينزل ويسجد وقال مالك: لا ينزل ولا يسجد ويمضي في خطبته.
(3) (النسائي): 2 / 390 - 391 كتاب المساجد باب (45) الصلاة على المنبر حديث رقم (738).