له لو كانوا يعلمون والذي نفسي بيده لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف الله من هو خير منه وهذا إنما في أن المدينة هي لهم من اليمن والشام و العراق وبلاد الرخاء ولا شك في هذا وليس في فضلها على مكة وهذا أيضا خاص بمن خرج منها طلب رخاء أو لغرض دنيا وأما من يخرج عنها لجهاد أو شئ من الخير فلا بل كان خروج الذين خرجوا منها بجهاد ونحوه أفضل من إقامتهم بها بدليل أنه صلى الله عليه وسلم خرج عنها للجهاد وأمر الناس بالخروج معه وتوعد من تخلف بالمدينة لغير عذر وبعث أصحابه إلى اليمن والبحرين وعمان يدعون إلى الإسلام ويعلمون الناس القرآن والسنن فبطل التعلق بهذا الحديث على فضل المدينة على مكة.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يأزر إلى المدنية كما تأزر الحية إلى جحرها وليس في هذا فضلها على مكة وهو أيضا إخبار عن وقت دون وقت فإنها اليوم من سنين مضت على خلاف ذلك.
فقد جاء هذا الخبر بزيادة كما خرجه مسلم من طريق عاصم بن محمد ابن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدا وهو يأزر بين المسجدين كما تأزر الحية جحرها ففي هذا أن الإيمان بين مسجد مكة ومسجد المدينة.
ومنها حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدر المدينة أوضع راحلته مرجعها وهذا إنما في حب النبي صلى الله عليه وسلم له. ونعم كان يحبها لكن ليس فيه أنه كان يحبها أكثر من مكة ولا أنها أفضل من مكة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: لا يكيد أحد أهل المدينة إلا انماع كما ينماع الملح في الماء وقوله: لا يريد أحد أهل المدينة بشر إلا أذابه في النار ذوب الرصاص