قال ومن جانبه صلى الله عليه وسلم ابتلاؤه بالبيئة البشرية ومنعه من خائنة العين ومن الاضمار الذي يخالف الاظهار ولا شئ أدعى إلى غض البصر وحفظه من لمحاته الاتفاقية من هذا التكلف.
وقد تعقب هذا الكلام بأن ابتلاءه صلى الله عليه وسلم ليس هو من إيجاب الطلاق على الزوج إنما هو من وقوع هذه النظرة الاتفاقية قوله ومنعه من خائنة الأعين فقد شرح خائنة العين وليس في اللمحة الواقعة شئ من خائنة الأعين قوله من لمحاته الاتفاقية كلام لا دليل عليه من الآية في هذه القصة ولا من الأحاديث.
قال الغزالي وهذا مما يورده الفقهاء في صنف التخفيف وعندي أن ذلك في غاية التشديد إذ لو كلف بذلك آحاد الناس لما فتحوا أعينهم في الشوارع والطرقات خوفا من ذلك ولذلك قالت عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفي آية لأخفى هذه الآية.
واعترض عليه أبو عمرو بن الصلاح فقال لم يوفق في مخالفته للأصحاب في ذلك قال وأصل ما ذكره أنه لم يكتف في حقه صلى الله عليه وسلم بالنهي والتحريم زاجرا عن مسارقة النظر وحاملا له على غض البصر عن نساء غيره حتى شدد عليه بتكليف لو كلف به غيره لما فتحوا أعينهم في الطرقات وهذا غير لائق بمنزلته الرفيعة وزعم أن هذا الحكم في حقه صلى الله عليه وسلم في غاية التشديد والله تعالى يقول في ذلك ﴿ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له﴾ (1). وأما قول عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنها فذاك لأمر أجود هو إظهار ما دار بينه وبين مولاه وعتابه عليه وأجيب عنه بأن الغزالي رحمه الله تعالى لم يقل أن النهي في حقه صلى الله عليه وسلم ليس كافيان في الانتهاء وإنما جعل ذلك كفا وحافظا عن وقوع النظر الاتفاقي الذي لا يتعلق به نهي فإذا علم أنه إذا وقع ذلك وقعت منه المرأة موقعا وجب على زوجها مفارقتها احتاج إلى زيادة التحفظ في ذلك.