ورأى الناس من شجاعة المنصور ما لم يظنوه فزادت هيبته في قلوبهم ورحل أبو يزيد عن القيروان أواخر ذي القعدة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ثم عاد إليها فلم يخرج إليه أحد ففعل ذلك غير مرة ونادى المنصور من أتى برأس أبي يزيد فله عشرة آلاف دينار وأذن الناس في القتال فجرى قتال شديد فانهزم أصحاب المنصور حتى دخلوا الخندق ثم رجعت الهزيمة على أبي يزيد فافترقوا وقد انتصف بعضهم من بعض وقتل بينهم جمع عظيم وعادت الحرب مرة لهذا ومرة لهذا وصار أبو يزيد يرسل السرايا فيقطع الطريق بين المهدية والقيروان وسوسة.
ثم إنه أرسل إلى المنصور يسأل أن يسلم إليه حرمه وعياله الذين خلفهم بالقيروان وأخذهم المنصور فإن فعل ذلك دخل في طاعته على أن يؤمنه وأصحابه وحلف له بأغلظ الإيمان على ذلك فأجابه المنصور إلى ما طلب وأحضر عياله وسيرهم إليه مكرمين بعد أن وصلهم وأحسن كسوتهم وأكرمهم فلما وصلوا إليه نكث جميع ما عقده وقال إنما وجههم خوفا مني فانقضت سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ودخلت سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وهم على حالهم في القتال.
ففي خامس المحرم منها زحف أبو يزيد وركب المنصور وكان بين الفريقين قتال ما سمع بمثله وحملت البربر على المنصور وحمل عليها وجعل يضرب فيهم فانهزموا منه بعد أن قتل خلق كثير فلما انتصف المحرم عبأ المنصور عسكره فجعل في الميمنة أهل أفريقية وكتامة في الميسرة وهو في عبيده وخاصته في القلب فوقع بينهم قتال شديد فحمل أبو يزيد على الميمنة فهزمها ثم حمل على القلب فبادر إليه المنصور وقال: هذا يوم الفتح