رجل فقاتلهم وهم في ثلاثة آلاف رجل فعاد مؤنس منهزما فحينئذ انهزم أصحاب ياقوت وكانوا سوى الثلاثمائة خمسمائة فلما رأى ياقوت ذلك نزل عن دابته وألقى سلاحه وجلس بقميص إلى جانب جدار رباط ولو دخل الرباط واستتر فيه لخفي أمره وكان أدركه الليل فربما سلم ولكن الله إذا أراد أمرا هيأ أسبابه وكان أمر الله قدرا مقدورا.
فلما جلس مع الحائط غطى وجهه بكمه ومد يده كأنه يتصدق ويستحي [أن] يكشف وجهه فمر به قوم من البربر من أصحاب البريدي فأنكروه فأمروه بكشف وجهه فامتنع فنخسه أحدهم بمزراق معه فكشف وجهه وقال أنا ياقوت فما تريدون مني احملوني إلى البريدي فاجتمعوا عليه فقتلوه وحملوا رأسه إلى العسكر وكتب أبو جعفر الحمال كتابا إلى البريدي على جناح طائر يستأذنه في حمل رأسه إلى العسكر فأعاد الجواب بإعادة الرأس إلى الجثة وتكفينه ودفنه وأسر غلامه مؤنس وغيره من قواده فقتلوا وأرسل البريدي إلى تستر فحمل ما فيها لياقوت من جوار ومال وغير ذلك فلم يظهر لياقوت غير اثني [عشر] ألف دينار فحمل الجميع إليه وقبض على المظفر بن ياقوت فبقي في حبس البريدي مدة ثم نفذه إلى بغداد.
وتجبر البريدي بعد قتل ياقوت وعصى وقد أطلنا في ذكر هذه الحادثة وإنما ذكرناها على طولها لما فيها من الأسباب المحرضة على الاحتياط والاحتراز فإنها أولها إلى آخرها فيها تجارب وأمور يكثر وقوع مثلها.