وفي ثالث (1) عنه عليه السلام أيضا " سألناه عن الرجل يكون عنده مال لأيتام فلا يعطيهم حتى يهلكوا، فيأتيه وارثهم ووكيلهم فيصالحه على أن يأخذ بعضا ويدع بعضا ويبرأه مما كان عليه أيبرء منه؟ قال: نعم " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على كونه عقدا مستقلا بنفسه، لا يتوقف على سبق خصومة، مثل البيع وغيره من العقود.
(و) إن كان (هو) في الأصل (عقد شرع لقطع التجاذب) والتنازع بين المتخاصمين إلا أن ذلك فيه من الحكم التي لا يجب اطرادها مثل المشقة في حكمة القصر، ونقصان القيمة في الرد بالعيب، واستبراء الرحم للعدة، وغيرها من الحكم التي لا تقتضي تخصيصا أو تقييدا لعموم الدليل أو اطلاقه المقتضي ثبوت الحكم في غير محلها، فضلا عن خصوص الأدلة من السنة المستفيضة أو المتواترة والاجماع بقسميه، كما هو واضح.
وإن أطنب فيه في المسالك وغيرها، حتى أن بعضهم التجأ إلى دعوى أنه وإن كان شرع في قطع الخصومة، إلا أنه لا دليل على اشتراطها فيه، بل الأصل عدم ذلك. وآخر إلى غير ذلك ما لا حاجة إليه بعد ما عرفت ولا إلى ما قيل: من أنه ربما يشعر لفظ الصلح بتحقق منازعة، لكمن لا يتعين كونها سابقة، بل يصح إطلاقه بالإضافة إلى دفع منازعة متوقعة محتملة، وإن لم تكن سابقة، كما يفصح عنه آية النشوز (2) فاشتراط السبق في مفهومه غفلة واضحة.
نعم لا تساعد الأخبار المتقدمة على الدلالة على المشروعية حيث لا منازعة سابقة ولا متوقعة، ولكن يمكن الذب عنه بعدم القائل بالفرق بين الأمة فكل من قال:
بالمشروعية لدفع منازعة وإن لم تكن سابقة كما دل عليها اطلاق الأخبار المذكورة قال بها في الصورة المزبورة التي لم تكن فيها منازعة سابقة ولا متوقعة، إذ فيه أن المراد بلفظ الصلح الواقع في ايجاب العقد انشاء الرضا بما توافقا واصطلحا وتسالما عليه فيما بينهما، لا أن المراد به خصوص الصلح المتعقب للخصومة مثلا كما هو واضح.