صحيح فمرادهم - فيما ظهر لنا عملا بظاهر الاسناد، لا أنه مقطوع بصحته في نفس الامر، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة، هذا هو الصحيح عند أهل العلم المحققين، ولهذه القاعدة قال ابن أبي ليلى: لا يفقه الرجل في الحديث حتى يأخذ منه ويدع!
وقال الإمام أبو حنيفة في سبب رده لبعض الأحاديث:
" ردى على كل رجل يحدث عن النبي بخلاف القرآن، ليس ردا على النبي، ولا تكذيبا له، ولكنه رد على من يحدث عنه بالباطل، والتهمة دخلت عليه ليست على نبي الله، وكل شئ تكلم به النبي فعلى الرأس والعين، قد آمنا به وشهدنا أنه كما قال ".
على أننا إذا سلمنا - كما قلنا - بأن النبي صلى الله عليه وآله قد نطق بهذا الحديث ثم أثبت العلم (ضرر الذباب) فليس علينا بأس من الرجوع عنه، وعدم الاخذ به، لأنه من أمور الدنيا ولنا في ذلك أسوة حسنة بما فعل النبي نفسه صلى الله عليه وآله حينما رأى أهل المدينة يؤبرون النخل فأشار عليهم بترك تأبيره - ولما ثبت بعد ذلك ضرر عدم التأبير وخرج التمر شيصا، قال لهم حديثه المشهور " إنما ظننت ظنا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به "، وفى رواية " إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر ". ثم ختم كلامه بهذه القاعدة العامة الجليلة التي يجب أن تكون دستورا للمسلمين على مد العصور، والتي تثبت بحق أن الدين الاسلامي صالح لكل زمان ومكان. وإنه صديق العلم وعدو الجهل، وهذه القاعدة هي " أنتم أعلم بأمر دنياكم ".
أما راوي هذا الحديث وهو (أبو هريرة) فقد ردوا له أحاديث كثيرة في حياته وبعد مماته، حتى من التي صرح بأنه سمعها من النبي مثل حديث: خلق الله التربة يوم السبت (1).
وإنا نكتفي اليوم بهذه الكلمة القصيرة ونشكر لحضرة النطاسي البارع