على أن ما كتبناه هنا، وما نقلناه عن غيرنا في وصف معاوية لم يكن إلا ذروا قليلا من أعماله التي سجلها التاريخ الاسلامي على صفحاته مما لم يسجل مثله لاحد غيره.
ولو أن كتابنا هذا قد كسر على تاريخ معاوية خاصة وما يحمل من قبائح لاستكثرنا من الشواهد والأدلة، فيرجع إليها في مظانها.
قال العقاد وهو يتكلم عن ناحية من سياسته، وهي ناحية التفريق بين الناس:
كانت له حيلته التي كررها وأتقنها وبرع فيها واستخدمها مع خصومه في الدولة من المسلمين وغير المسلمين، وكان قوام تلك الحيلة، العمل الدائب على التفرقة والتخذيل بين خصومه، بإلقاء الشبهات بينهم، وإثارة الإحن فيهم، ومنهم من كانوا من أهل بيته وذوي قرباه، كان لا يطيق أن يرى رجلين ذوي خطر على وفاق، وكان التنافس (الفطري) بين ذوي الاخطار مما يعينه على الايقاع بينهم (1).
ومضى معاوية على هذه الخطة التي لا تتطلب من صاحبها حظا كبيرا من الحيلة والروية - فلو أنه استطاع أن يجعل من كل رجل في دولته حزبا منابذا لغيره من رجال الدولة كافة لفعل! ولو حاسبه التاريخ حسابه الصحيح لما وصفه بغير مفرق الجماعات، ولكن العبرة لقارئ التاريخ في زنة الأعمال والرجال أن نجد من المؤرخين من يسمى عامه حين انفرد بالدولة (عام الجماعة!) لأنه فرق الأمة شيعا، فلا تعرف كيف تتفق إذا حاولت الاتفاق، وما لبث أن تركها بعده تختلف في عهد كل خليفة شيعا شيعا بين ولاة العهود (2).
وليس أضل ضلالا، ولا أجهل جهلا من المؤرخين الذين سموا سنة (أحد وأربعين هجرية) بعام الجماعة لأنها السنة التي استأثر فيها معاوية بالخلافة فلم يشاركه أحد فيها، لان صدر الاسلام لم يعرف سنة تفرقت فيها الأمة كما تفرقت في تلك السنة، ووقع فيها الشتات بين كل فئة من فئاتها كما وقع فيها،