إنها أعلم منى وأنا لم أسمعه من النبي، وإنما سمعته من الفضل بن العباس، وكان الفضل قد مات حينئذ. وقد قال ابن قتيبة في ذلك " إنه استشهد ميتا، وأوهم الناس أنه سمع الحديث من رسول الله ولم يسمعه (1)، والفضل بن العباس استشهد في طاعون عمواس سنة 18 في عهد عمر.
وقول أبي هريرة: إنه سمعه من الفضل بن العباس اعتراف صريح منه بأنه كان يسند إلى النبي من القول ما لم يسمعه منه - وهذا هو الارسال والتدليس بعينه - كما تبين لك ذلك من قبل. هذا إذا كان صادقا في أنه سمعه من الفضل بن العباس!
ولهذا الحديث قصة طريفة لا بأس من إيرادها هنا:
في كتاب اختلاف الحديث للشافعي، أن أبا بكر بن عبد الرحمن (2) قال: كنت أنا وأبى عند مروان بن الحكم - وهو أمير المدينة من قبل معاوية، فذكر له أن أبا هريرة يقول: " من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم ". فقال مروان:
أقسمت عليك يا أبا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فتسألهما عن ذلك. أما عائشة فقد قالت: ليس كما قال أبو هريرة، يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله يفعله؟
فقال عبد الرحمن: لا والله، قالت عائشة: فأشهد على رسول الله أنه كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام، ثم يصوم ذلك اليوم. ثم دخلا على أم سلمة (رضي الله عنها) فسألاها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة، ثم جئنا مروان، فقال له عبد الرحمن: ما قالتا، فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فلتأتين أبا هريرة فتخبره بذلك، قال: فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا (أبا هريرة) فتحدث معه عبد الرحمن ساعة. ثم ذكر له ذلك فقال أبو هريرة: لا علم لي بذلك وإنما أخبرنيه مخبر (3).