الشيعة للفنون المختلفة ولعلوم شتى مثل التفسير والحديث والرجال، والفهرسة، والفقه، والأصول، والكلام، وبشكل عام كان الشيخ الطوسي مفصلا في تاريخ هذه العلوم وفي تاريخ المذهب الإمامي فهذا النحرير العليم لا نظير له من حيث دقة النظر، وإصابة الرأي، واستقامة العقل، وسعة الاطلاع، وحسن السليقة، وأسلوب التحقيق والشمول والجامعية للفنون. وكذلك هو عديم النظير في سلامة الطوية، وطهارة النفس، والتخلي عن الأغراض، وضوء البصيرة بين رجال المذهب بل بين علماء الإسلام عامة. وقد كانت كتبه مدار البحث والنظر في عصره ومع أساتذته أمثال السيد المرتضى علم الهدى.
بقيت ولم تزل حتى عصرنا من أوثق الوثائق والمصادر العلمية. وعلى الرغم من التقدم العلمي وظهور نوابغ كبار لا يحصى عددهم، وإخراج مؤلفات كثيرة فيما يعتبر من تخصص الشيخ، فإن كتب الشيخ في كل فن من تلك الفنون على الرغم من مرور ألف سنة عليها قد احتفظت بمكانتها، لا بل مع ما جرى من التطورات العلمية لقد اكتسبت أهمية أكبر. ولا سيما في عصرنا الحاضر الذي اقتضت فيه الأوضاع والأحوال تبدل الأفكار عما كانت عليه، فالمقاييس اختلفت عما كانت وحواجز التعصب وسدود الجهل ارتفعت، بشكل تقاربت فيه المذاهب الإسلامية، حيث قامت جماعات من العلماء بتقييم وتقدير المذاهب الأخرى، بلا أي تطرف أو تعصب مذموم، في مثل هذه الظروف النيرة سوف تكون طريقة تفكير الطوسي وأسلوبه العلمي الحكيم، مثار إعجاب المصلحين أولي البصيرة والنظر.
وعن قريب ستظهر هذه الحقيقة الخفية، وسينكشف هذا السر المكتوم، وهو أن الشيخ الطوسي، مع أنه كان يعتبر الإمام المقتدى به لمذهب الإمامية والمروج لعلومه وحامل لوائه في أخطر مرحلة من تاريخ هذا المذهب كان في نفس الوقت يوجه نظره إلى نطاق أوسع من مذهبه الخاص به، وكان محلقا بمقدرته العلمية وقريحته القوية في إطار العالم الإسلامي الواسع المحيط، وفي خارج حدود مذهبه، ولا سيما في ميدان الفقه، حيث كان يطاير علماء ساير المذاهب ويصافهم فيما يخصهم من المذهب. ومن هذا المنطق يسوغ لنا أن نضيف إلى تلك الخصائص والملامح مزية أخرى للشيخ، وهو أنه كان من رجال التقريب بين المذاهب الإسلامية بل هو المبتكر والفاتح لبابه. ولا ريب أنه أي التقريب هو الدواء الشافي للإسلام والمسلمين في مثل هذه الفوضى والغوغائية المسيطرتين على العالم . ويجب على جميع المصلحين والعلماء أن يتابعوا هذه الطريقة الحكيمة في دراساتهم الإسلامية.