والأصم: الطهور والطاهر بمعنى واحد. دليلنا هو أن هذه اللفظة وضعت للمبالغة والمبالغة لا تكون إلا فيما يتكرر فيه الشئ الذي اشتق الاسم منه، ألا ترى أنهم يقولون فلان ضارب إذا ضرب ضربة واحدة، ولا يقال ضروب إلا بعد أن يتكرر منه الضرب، وإذا كان كونه طاهرا مما لا يتكرر ولا يتزايد فينبغي كون طاهرا طهورا لما لا يتزايد (1) والذي يتصور التزايد فيه أن يكون مع كونه طاهرا مطهرا مزيلا للحدث والنجاسة وهو الذي نريده " إلى آخره، انتهى. وربما أورد عليه بعض المتأخرين بأن هذا إثبات اللغة باستدلال وهو غير جائز، وقد يظهر من بعض هؤلاء إنكار استعمال طهور وصفا، نعم سلم استعماله في اسم الآلة أي لما يتطهر به كالوضوء لما يتوضأ به والسحور وغير ذلك.
وفيه أنه قد يكون مراد الشيخ التأييد بذلك، وإلا فالمعتمد ما نقله أولا عن أهل اللغة، وإن كان ظاهر قوله في الخلاف (دليلنا) إلى آخره ينافي ذلك أو يكون مراده ما ذكرناه سابقا من الاستناد إلى الفهم العرفي بد تعذر المعنى الحقيقي، فتأمل جيدا.
وأما إنكاره مجئ فعول وصفا فهو كأنه مخالف للمجمع عليه بينهم، وأبو حنيفة وأصحابه لم ينكروا ذلك بل أنكروا وصفيته بمعنى مطهر لا أصل الوصفية، ولذلك قال في المصابيح: أنه لا خلاف في مجيئه وصفا وإنما الخلاف في تعيين المراد منه حينئذ، فهل الطاهرية أو هي مع المطهرية.
لا يقال إن وجه المبالغة غير منحصر في ذلك فإن الطهارة قابلة للزيادة والنقصان كالوضوء بالآجن والمشمس، لأنا نقول إن رفع الحدث معنى واحد لا يختلف وكراهة استعمال بعض المياه لا يقتضي نقصا فيها، نعم قد يقال إنه بناء على أن المراد بالطهارة المعنى الذي يحصل في نفس المكلف من القرب إلى الله تكون قابلة للزيادة والنقيصة من جهة القرب والأقربية، وأنت خبير أن العمدة في الاستدلال إنما هو النقل والتبادر لا هذه الوجوه فتأمل جيدا.