جواهر الكلام - الشيخ الجواهري - ج ١ - الصفحة ١٨٢

القوة القدسية الثابتة لديهم منذ الولادة موقوف على إرادتهم المتوقفة على وجود المصلحة في إبراز الحقائق المستورة وإظهار ما عندهم من مكنون العلم، على أن هذا المضمون ورد في أحاديث ثلاثة ردها المجلسي في مرآة العقول بضعف بعض رجالها وجهالة الآخرين.
وحكاية الكتاب المجيد عن النبي صلى الله عليه وآله (لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) لا تفيد إلا كونه مفتقرا إلى الله تعالى في العلم بالمغيبات وأنه لم يكن عالما به من تلقاء نفسه، وهذا لا ريب فيه فإن المعتقد أن الله تعالى هو المتلطف على النبي والأئمة من أبنائه بالملكة القدسية التي تمكنوا بواسطتها من استكشاف ما في الكون، وإرادة النفي المطلق باطلة لأنه لا ريب في اخباره ببعض المغيبات، مع أن السياق يقتضي أن يراد من النفي العلم بالساعة لأن السؤال كان عنها.
فالمتحصل مما ذكرناه أن الله تعالى بمنه ولطفه أفاض على نبيه الأقدس صلى الله عليه وآله وخلفائه المعصومين ملكة نورية تمكنوا بواسطتها من استعلام ما يقع من الحوادث وما في الكائنات من الخواص وأسرار الموجودات وما يحدث من خير وشر، ولا غلو فيه بعد قابليتهم لتحمل هذا الفيض المبارك، وعدم الشح في عطاء الرب سبحانه (يهب ما يشاء لمن يشاء) وصارح الأئمة عليهم السلام بهذه الحبوة الإلهية.
وأنه غير بعيد فيمن تجرد للطاعة وعجنت طينته بماء النزاهة من الأولياء والصديقين فضلا عمن قبضهم الباري عز شأنه أمناء شرعه وأعلاما لعباده.
وقد اعترف الشيخ المفيد في المقالات ص - 77 - بأن الله سبحانه أكرم الأئمة من آل محمد عليهم السلام بمعرفة ضمائر العباد وما يكون قبل كونه لطفا منه سبحانه لهذه الذوات القدسية، وإن لم يجب ذلك عقلا لكنه وجب لهم بالسماع.
وذكر الطبرسي في مجمع البيان عند قوله تعالى في سورة الأنعام الآية 50 (لا أعلم الغيب) أنه لم يعلم الغيب من تلقاء نفسه وإنما يعلم ما يعلمه الله به وفي مرآة العقول ج 1 ص 187 إن الجمع بين الآيات والروايات أنهم عليهم السلام لا يعلمون الغيب من تلقاء أنفسهم بغير تعليمه بوحي أو الهام، وإلا فظاهر أن عمدة معاجز الأنبياء والأوصياء من هذا القبيل.
وعلى ضوء الأحاديث المتكثرة مشى المحقق الآشتياني في حاشيته على رسائل الشيخ الأنصاري ج 2 ص 60 فسجل اعتقاده بما ارتئيناه.
ولم يتباعد العلامة الآلوسي عما قررناه من تمكن المولى سبحانه الخلفاء المعصومين من الوقوف على المغيبات، فإنه قال في تفسيره (روح المعاني) ج 20 ص 11 عند قوله تعالى في سورة النمل الآية 65 (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) لعل الحق إن علم الغيب المنفي عن غيره جل وعلا هو ما كان للشخص بذاته أي بلا واسطة في ثبوته له، وما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفي في شئ، وإنما هو من الواجب عز وجل إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه، فلا يقال إنهم علموا الغيب بذلك المعنى فإنه كفر، بل يقال إنهم أظهروا واطلعوا على الغيب.
ويقول ابن حجر في الفتاوى الحديثية ص 223 إعلام الله تعالى للأنبياء والأولياء ببعض الغيوب ممكن لا يستلزم محالا بوجه، وانكار وقوعه عناد، لأنهم علموا بأعلام الله واطلاعه لهم، وقد صرح النووي في فتاويه به فقال لا يعلم ذلك استقلالا، وإنما هو باعلام الله لهم.
ويحكى عبد القادر العيدروس في النور السافر في أعيان القرن العاشر ص 85 إن النيسابوري صاحب التفسير يقول امتناع الكرامة من الأولياء إما لأن الله ليس أهلا لأن يعطى المؤمن ما يريد، وإما لأن المؤمن ليس أهلا لذلك، وكل منهما بعيد، فإن توفيق المؤمن لمعرفته لمن أشرف المواهب منه تعالى لعبده، وإذا لم يبخل الفياض بالأشرف فلأن لا يبخل بالأدون أولى.
وهؤلاء وإن لم يوافقوا الشيعة على ما يعتقدونه في أئمتهم عليهم السلام من القدرة على العلم بالحوادث الكائنة والتي تكون، لاعتقادهم أن هذه السعة مختصة بالباري جل شأنه.
ولكن الملاك الذي قرروه لمعرفة الأنبياء والأولياء ببعض الغيب وهو تمكين المولى سبحانه لهم من الوقوف على المغيبات تفيد ما تعتقده الشيعة من سعة العلم، فإن الميزان للوقوف على الغيب إذا كان باقدار الله تعالى فمن الجائز أن تكون تلك القوة النورية بالغة أقصى مداها حتى كأن الأشياء كلها حاضرة لديهم على حد تعبير الإمام الصادق عليه السلام اللهم إلا ما استأثر به الله وحده فإنه لا وقوف لأحد عليه مهما ترقى إلى فوق ذروة الكمال.
وعلى هذا الذي سجلناه من سعة علم الإمام الشامل لجميع الحوادث وأسرار الكائنات وخواص الطبايع حبوة من مفيض النعم تعالت نعماؤه يتجلى أنه عليه السلام لم يفته العلم فيما يحد الكر من المساحة المطابقة تحقيقا للوزن، والأخبار الحاكية عنه تحديدهما مع ما يشاهد فيهما من الاختلاف فبعد غض النظر عما يقال في بعضها يكون العلاج إما بحمل الزائد على كونه علامة على وجود الحد قبله، وذلك في صورة زيادة الوزن على المساحة بمقدار يتسامح فيه، وصورة زيادة المساحة على الوزن بمقدار يتسامح فيه، وهذا نظير ما ورد عنهم عليهم السلام من تحديد حد الترخص بخفاء الأذان والجدران مع أنهما لا يتطابقان دائما، فيكون خفاء الجدران علامة على وجود الحد قبله، وإما بترجيح ما يفيد كون المساحة سبعة وعشرون شبرا فإنها تتفق مع الوزن دائما على الأرطال العراقية كما جربه بعض الأعلام.
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الطهارة 3
2 الواجب من الوضوء 8
3 إن الوضوء واجب غيري 8
4 المندوب من الوضوء 12
5 ما يستحب الوضوء منه 22
6 جواز الوضوء لغايات متعددة 26
7 بيان الأقوال في الوضوء المستحب الذي لم يجامع الحدث الأكبر 27
8 الواجب من الغسل 29
9 بيان وجوب غسل المس 31
10 وجوب غسل الجنابة للصوم قبل طلوع الفجر بمقدار ما يغتسل الجنب 34
11 في وجوب غسل غير الجنابة للصوم قبل طلوع الفجر وعدمه 35
12 اختصاص وجوب الغسل للصوم في آخر الوقت وعدمه 37
13 عدم اختصاص مقدمة الواجب بما بعد الوقت 39
14 وجوب الغسل لصوم المستحاضة 45
15 ان الغسل واجب غيري 46
16 الواجب من التيمم 55
17 وجوب التيمم للجنب في أحد المسجدين ليخرج به 56
18 وجوب الطهارة بالنذر وشبهه 58
19 الماء المطلق 61
20 إن ماء المطلق طاهر مطهر 62
21 معنى الطهور 62
22 أقسام المياه 71
23 الماء الجاري 72
24 نجاسة ماء الجاري بالتغير 75
25 اشتراط أن يكون التغير بأحد أو صاف النجاسة 77
26 اشتراط أن يكون التغير حسيا لا تقديريا 77
27 عدم نجاسة الجاري لو تغير بأحد أو صاف المتنجس 83
28 عدم نجاسة ماء الجاري 85
29 اشتراط دوام النبع في الجاري وعدم اشتراط الكرية فيه 87
30 كيفية تطهر المتغير 90
31 ماء الحمام 93
32 نجاسة ماء القليل 105
33 طهارة ماء القليل 116
34 الجواب عن الأدلة الدالة على طهارة ماء القليل 123
35 التفصيل بين الوارد والمورود 131
36 كيفية تطهر ماء القليل 134
37 كيفية سراية النجاسة 134
38 اشتراط الالقاء لتطهر ماء القليل وعدمه 136
39 اشتراط الكرية والدفعة لتطهر ماء القليل وعدمه 140
40 اعتبار الامتزاج 143
41 عدم تطهر ماء القليل باتمامه كرا 150
42 عدم نجاسة الكر 153
43 اعتبار تساوي السطوح وعدمه 154
44 عدم تطهر الكر بمجرد زوال التغيير 165
45 بيان مقدار الكر بحسب الوزن 168
46 تقدير الكر بحسب المساحة 172
47 بيان مقدار الكر وزنا ومساحة 181
48 عدم نجاسة الكر مطلقا 185
49 تعريف ماء البئر 188
50 تنجس ماء البئر 191
51 عدم تنجس ماء البئر 193
52 ان النزح واجب تعبدي أو مستحب 203
53 طريق تطهير ماء البئر 206
54 تطهر ماء البئر بنزح جميعه إذا وقع فيها مسكر 208
55 نزح الجميع إذا وقع في البئر مني أو أحد الدماء الثلاثة 211
56 نزح الجميع إذا مات في البئر بعير 212
57 في التراوح 214
58 نزح كر إن مات في البئر دابة أو حمار أو بقرة 219
59 نزح السبعين لموت الانسان 226
60 نزح الخمسين لوقوع العذرة 230
61 نزح الخمسين لكثير الدم 231
62 نزح الأربعين إن مات في البئر ثعلب أو أرنب أو خنزير أو سنور أو كلب وشبهه 233
63 نزح الأربعين لبول الرجل 237
64 نزح العشرة للعذرة الجامدة 239
65 نزح العشرة لقليل الدم 239
66 نزح السبع لموت الطير 244
67 نزح السبع لتفسخ الفأرة 246
68 نزح السبع لانتفاخ الفأرة 248
69 نزح السبع لبول الصبي 248
70 نزح السبع لاغتسال الجنب 250
71 نزح السبع لوقوع الكلب وخروجه حيا 254
72 نزح الخمس لذرق الدجاجة الجلال 255
73 نزح الثلاث لموت الحية 256
74 نزح الثلاث لموت الفأرة 257
75 نزح دلو لموت العصفور وشبهه 257
76 نزح دلو لبول الصبي الذي لم يتغذ بالطعام 258
77 نزح الثلاثين لماء المطر الذي فيه البول والعذرة وخرء الكلاب 258
78 في المراد بالدلو التي ينزح بها 259
79 اختلاف أنواع النجاسة موجب لتضاعف النزح 260
80 تضاعف النزح مع التماثل 262
81 عدم تضاعف النزح إذا كان الواقع المتعدد بعضا من جملة لها مقدر 263
82 نزح الجميع إن لم يقدر للنجاسة منزوح 264
83 نزح الجميع إذا تغير ماء البئر بالنجاسة 268
84 وجوب النزح حتى يزول التغيير 270
85 تطهر آلات النزح تبعا 277
86 وجوب اخراج عين النجاسة أولا ثم الاشتغال بالنزح 277
87 عدم العبرة بما يتساقط من الدلو حال النزح 279
88 مقدار الفاصلة بين البئر والبالوعة 280
89 عدم نجاسة ماء البئر بمجرد قرب البالوعة 288
90 عدم جواز استعمال ماء النجس في الطهارة 289
91 وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة 290
92 فروع الشبهة المحصورة 305
93 تعريف ماء المضاف 308
94 ماء المضاف طاهر لكن لا يزيل حدثا 311
95 ماء المضاف لا يزيل خبثا 315
96 نجاسة ماء المضاف بملاقاة النجاسة وعدم جواز استعماله في أكل ولا شرب 322
97 كيفية تطهر ماء المضاف 323
98 كراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس 330
99 كراهة تغسيل الأموات بماء أسخن بالنار 333
100 نجاسة الغسالة 336
101 بيان الأقوال في حكم الغسالة 337
102 حكم ماء الاستنجاء 353
103 نجاسة ماء الاستنجاء إذا تغير بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة من خارج 357
104 ماء المستعمل في الوضوء طاهر ومطهر 358
105 المستعمل في رفع الحدث طاهر 359
106 المستعمل في رفع الحدث الأكبر هل يرفع الحدث به ثانيا أم لا 361
107 تعريف السؤر 365
108 طهارة الأسئار عدا سؤر نجس العين 368
109 كراهة سؤر الجلال 371
110 كراهة سؤر آكل الجيف 371
111 نجاسة سؤر آكل الجيف إذا كان في موضع الملاقاة عين النجاسة 373
112 كراهة سؤر الحائض الغير المأمونة 377
113 كراهة سؤر البغال والحمير 381
114 كراهة سؤر الفأرة 383
115 كراهة سؤر الحية 385
116 كراهة سؤر ما مات فيه الوزغ والعقرب 386
117 نجاسة الماء بموت الحيوان 388
118 نجاسة الماء إذا لا قاه الدم الذي لا يدركه الطرف 389
119 الاحداث الموجبة للوضوء 390
120 الغائط والبول والريح ناقض للوضوء 393
121 الغائط والبول والريح ناقض لو خرج مما دون المعدة وصار معتادا 396
122 النوم ناقض للوضوء 402
123 الجنون والاغماء والسكر ناقض للوضوء 408
124 الاستحاضة القليلة موجبة للوضوء 410
125 عدم ناقضية المذي 411
126 عدم ناقضية الودي والوذي 414
127 عدم ناقضية الدم ولو خرج من أحد السبيلين عدا الدماء الثلاثة 416
128 عدم ناقضية القئ والنخامة وتقليم الظفر وحلق الشعر 417
129 عدم ناقضية مس الذكر والدبر والقبل 417
130 عدم ناقضية لمس امرأة ولا أكل ما مسته النار 419
131 عدم ناقضية ما يخرج من السبيلين إلا أن يخالطه شئ من النواقض 419
132 عدم ناقضية الارتداد 420