العلم والعمل " فحكموا عليه بالزندقة، وهجره الناس، ورفعوا أمره إلى الخليفة، فكتب بقتله.
قال الذهبي في الميزان معلقا على قول ابن حبان هذا: " ولقوله هذا محمل سائغ - إن كان عناه - أي عماد النبوة العلم والعمل، لان الله لم يؤت النبوة والوحي إلا من اتصف بهذين النعتين، وذلك لان النبي صلى الله عليه وسلم يصير بالوحي عالما، ويلزم من وجود العلم الإلهي العمل الصالح، فصدق بهذا الاعتبار قوله: النبوة العلم اللدني، والعمل المقرب إلى الله، فالنبوة إذا تفسر بوجود هذين الوصفين الكاملين، ولا سبيل إلى تحصيل هذين الوصفين بكمالهما إلا بالوحي الإلهي، وهو علم يقيني ما فيه ظن، وعلم غير الأنبياء منه يقيني، وأكثره ظني، ثم النبوة ملازمة للعصمة، ولا عصمة لغيرهم، ولو بلغ في العلم والعمل ما بلغ. والخبر عن الشئ يصدق بعض أركانه، وأهم مقاصده. غير أنا لا نسوغ لاحد إطلاق هذا إلا بقرينة، كقوله عليه الصلاة والسلام: الحج عرفة.
غير أن الذهبي يقول (عدم) تعليقه: وإن كان عنى الحصر أي ليس شئ إلا العلم والعمل فهذه زندقة وفلسفة.
ولم تكن الحملة على ابن حبان تقتصر على التماس خطأ يقع منه، بل كانت تفتعل له التهم وتطارده بها في كل مكان.
نقل البيكندي الحافظ من كتاب شيوخه وكان قد ذكر فيه ألف شيخ في باب الكذابين - قال: وأبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي، قدم علينا من سمرقند سنة 330 أو 329 فقال لي أبو حاتم سهل بن السرى الحافظ: لا تكتب عنه فإنه كذاب، وقد صنف لأبي الطيب المصعبي كتابا في القرامطة، حتى قلده قضاء سمرقند، فلما أخبر أهل سمرقند بذلك أرادوا أن يقتلوه، فهرب ودخل بخارى، وأقام دلالا في البزازين حتى اشترى له ثيابا بخمسة آلاف درهم إلى شهرين، وهرب في الليل، وذهب بأموال الناس ".
وهذا خبر لا يصدق فإن الرجل كان حينئذ قد تخطى الخمسين من عمره، وطبقت شهرته الآفاق، ولم يكن جمع المال همه، ولو كان لكان من اليسير عليه أن يجمع من القضاء الذي تولاه مدة في ثلاث مدن. ورجل بنى داراو خانكاه ووقف عليهما الأوقاف، وبذل كتبه لطلاب العلم لا يستخفه خمسة آلاف درهم يفر بها بليل.