حكى الرجل الصالح أبو حامد أحمد بن محمد بن سعيد النيسابوري قال: " كنا مع أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في بعض الطريق من نيسابور، وكان معنا أبو حاتم البستي، وكان يسأله ويؤذيه، فقال له محمد بن إسحاق بن خزيمة: يا بارد تنح عنى لا تؤذني أو كلمة نحوها فكتب أبو حاتم مقالته، فقيل له: تكتب هذا؟ فقال:
نعم أكتب كل شئ بقوله ". والايذاء هنا عبارة عن الالحاح في السؤال.
وهذا إن دل على شئ، فإنما يدل على أن ابن حبان كان في حالة استمرار دائم في طلب العلم لا يعرف سفرا ولا حضرا، وأنه كان أمينا على تسجيل كل ما يعرض عليه من شيخه.
ولم تكن حياة ابن حبان بالسهلة الميسرة، فان هذا المحدث الكبير الذي درس الفقه والطب والنجوم والكلام وفنون العلم واشتغل بالوعظ: زج بنفسه في صراعات طاحنة مع الفرق والمذاهب، حتى كالوا له من صنوف الكيد والعداء ما عرضه للقتل مرات كما عرضه للطرد وألجأه إلى الاختفاء. تولى قضاء سمرقند مدة طويلة كما تولى قضاء نسا وتردد على نيسابور ثلاث مرات وولى قضاءها، وفى المرة الثالثة بنى فيها خانكاه. وقرئت عليه جملة من مصنفاته، ثم عاد إلى وطنه، وكانت الرحلة إليه لسماع مصنفاته.
وكان ابن حبان على درجة كبيرة من الشجاعة في الرأي، لا يعرف المواربة، فإذا رأى رأيا وصل فيه إلى حد يثير عليه العداء ويؤلب عليه الحاقدين. فها هو قد أخرج من سجستان مطرودا، والاخبار يستقى منها أن العامة أثيرت عليه حتى كادت تفتك به.
قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي: - الذي تسميه المجسمة شيخ الاسلام على حد تعبير السبكي في طبقات الشافعية - قال: سألت يحيى بن عمار عن ابن حبان قلت:
رأيته؟ قال: وكيف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان لأنه أنكر الحد لله، كان له علم كثير، ولم يكن كبير دين ".
يقول السبكي تعليقا على هذا: فياليت شعري من أحق بالاخراج؟ من يجعل ربه محدودا؟ أو ينزهه عن الجسمية؟.
وكان خصومه يلتمسون منه أي ثغرة ينفذون منها إليه. أخذوا عليه قوله: " النبوة