" الامام العلامة الفاضل المتقن، كان مكثرا من الحديث والرحلة والشيوخ، عالما بالمتون والأسانيد، أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره، ومن تأمل تصانيفه تأمل مصنف علم أن الرجل كان بحرا في العلوم، سافر ما بين الشاش إلى الإسكندرية، وأدرك الأئمة والعلماء، والأسانيد العالية ".
وإذا كان ابن حبان قد كتب عن أكثر من ألفي شيخ - كما يقول هو عن نفسه في كتاب التقاسيم والأنواع - فإن من كتب عنه يذكر أبرز شيوخه مثل الحسين بن إدريس الهروي، وأبو خليفة الجمحي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وعمران بن موسى بن مجاشع، والحسن بن سفيان، وأبو يعلى الموصلي، وأحمد بن الحسن الصوفي، وجعفر بن أحمد الدمشقي، وأبو بكر بن خزيمة.
ويذكرون أنه لازم ابن خزيمة دهرا وتلمذ له، وأخذ عنه فقه الحديث والفرض على معانيه، وقد تتبع ياقوت في معجم البلدان المدن التي تنقل بينها في طلب العلم فبلغت ثلاثا وأربعين بلدا التقى فيها باثنين وسبعين شيخا من العلماء المبرزين. وهذه المدن التي ذكرها تعنى ما جاورها من البلاد، فهو مثلا يذكر رحلته إلى مصر ولا يعد مدنها. كما أن الشيوخ الذين ذكرهم: إنما خص بهم مشاهير العلماء، وتجاوز غيرهم ممن لم يشتهر. كما يمكن للباحث أن يرجع إلى أسماء هذه المدن وهؤلاء الرجال في ترجمة ابن حبان في معجم البلدان ذكره عند كلامه على مدينة " بست ".
أما أشهر من روى عنه فمنهم: الحاكم، وابن منده وغنجار، وأبو علي منصور بن عبد الله بن خالد الذهلي الهروي، وأبو مسلمة محمد بن محمد بن داود الشافعي، وجعفر بن شعيب بن محمد السمرقندي، والحسن بن منصور الأسفيجابي والحسن بن محمد بن سهل الفارسي، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن هارون الزوزني، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن خشنام الشروطي وجماعة كثيرة لا تحصى.
ولم يكن ابن حبان في رحلته الواسعة هذه يضيع وقتا، أو يصرفه عن هدفه صارف بل إنه في دأبه وحرصه على استنزاف ما عند شيوخه ربما ضاق به بعضهم، فإذا ببعض القول، ولكن أبا حاتم كان يمضى في طريقه، لا يضيق بما ضاقوا به، ولا يألم لما أصابه منهم، بل بلغ به الحرص على التحصيل أن كان يعتبر كل حالات الشيخ - رضاه، وسخطه - درسا يلقى وعلما يؤخذ وينفع.