فإن قال قائل ليس جائزا أن ينسخ الله تعالى حكما فيتعلق حكمه على من سمعه ولا يتعلق على من لم يسمعه كما روي أن أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس فأتاهم آت فأخبرهم أن القبلة قد حولت فاستداروا إلى الكعبة فقد صلوا بعض صلاتهم بعد نسخ التوجه إلى بيت المقدس ولم يؤمروا باستئنافها لأن حكم النسخ لم يتعلق عليهم إلا بعد العلم فكذلك ما أنكر أن يجوز اعتقاد العموم في اللفظ العام ويتأخر بيانه فيكون السامع متعبدا باعتقاد العموم فإذا ورد البيان تبين خصوص اللفظ فصار إليه ولا يؤثر ذلك في اعتقاده بدءا كما أن من لم يبلغه النسخ فهو متعبد بالفرض الأول فإذا بلغه علم أنه كان منسوخا قبل ذلك قيل له الفصل بينهما أن من بلغه النسخ بعد زمان فقد كان متعبدا بالفرض الأول وقت بلوغه إياه ولم ينسخ عنه ذلك إلا بعد علمه وإن كان منسوخا عن غيره فمن بلغه قبله فلم يكن في ذلك اعتقاد الشئ على خلاف ما هو به ومخالفنا في تأخير البيان يزعم أنه يجب عليه اعتقاد عموم معناه الخصوص في تلك الحال بعينها وهذا مستنكر لما بيناه وإنما نظير النسخ من هذا أن يعتقد العموم ثم يخصه بعد ثبوت حكمه فيكون ذلك نسخا لبعض حكم اللفظ وهذا لا نأباه ولا نكرهه
(٧٠)