بلغوا وقد قص الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم أخبار الأنبياء عليهم السلام حثا له على التمسك بالصبر وتسهيلا للمحنة عليه قال الله تعالى وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وقص علينا أخبار القرون السالفة لنتعظ الرحمن بها وننتهي عن مثل الأفعال التي استحقوا العقاب بها فليس فيها أمر لنا بشئ أكثر من اعتقاد صحتها والاتعاظ بها وكذلك الأمر المجمل إذا كان فيه ضرب من التكليف والمصلحة في الحال يمتنع وروده غير مقترن ببيان يصحبه ثم يبينه لنا إذا أراد إلزام الفعل به وهذا يسقط جميع ما يتعلقون به في ذلك من أنه لا فائدة في التلاوة إذا لم يكن تحته مأمور به يلزمنا فعله في الحال وأنه متى كان ذلك كذلك كان بمنزلة مخاطبة العربي بالزنجية وأن إيراد ذلك بلفظ الأمر ليس بأولى منه بلفظ النهي إذ ليس تحته فعل مراد في الحال وذلك لأن خطاب العربي بالزنجية لا يفهم به المخاطب شيئا ووجوده وعدمه بمنزلة فيكون عبثا ولغوا والخطاب المجمل قد تعلق به ما ذكرنا من وجوه التكليف والمصلحة فلم يمتنع وروده موقوفا على البيان على الوجه الذي ذكرنا فأما الخطاب بالأمر المجمل فمنفصل عن الخطاب بالنهي المجمل كانفصال الخطاب بالأمر المعلوم المعنى عن الخطاب بالنهي لأن النهي المجمل يفيد توطين النفس على اجتناب ما يرد بيانه كما يفيد الخطاب بالأمر المجمل توطينها وكان على فعله عند ورود البيان فبان بذلك فساد قول من اعترض بمثله على جواز تأخير بيان المجمل فإن قال قائل لا يجوز تأخير بيان المجمل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمن أن تعاجله روى المنية قبل بيانه فلا يوصل بعده إلى حكمه
(٧٣)