هذا العرض الأيني بموضوعه; أعني «زيدا».
وهكذا تدل ألفاظ «من» و «على» و «عن» و «إلى» - وما رادفها من الحروف - على أصناف مقولة الأين: من الأين الابتدائي، والأين الاستعلائي، والأين التجاوزي، والأين الانتهائي.
وتوهم: أنه لو كان مدلول الحرف عرضا نسبيا فهو بذاته مرتبط بموضوعه، فنفس الحرف يدل على الربط، فلا تبقى حاجة إلى وضع الجملة للدلالة على ربط العرض بموضوعه، بل تكون دلالة الهيئة على الربط، تكرارا في الدلالة على ارتباط العرض بموضوعه في الجملة المشتملة على الحرف; لتعدد الدال، وهو الحرف والهيئة وهو خلاف الوجدان.
مدفوع: بأن الحرف إنما يدل على العرض المنتسب إلى موضوع ما، والهيئة تدل على ربط ذلك العرض بموضوع بعينه مفصلا، فلفظة «في» في جملة «زيد في الدار» - مثلا - تدل على عرض الأين منتسبا إلى موضوع ما، وهيئة الجملة تدل على ربط ذلك العرض بزيد نفسه، ومدلول الأول غير الثاني، فلم يلزم التكرار المخالف للوجدان.
والإشكال: بأن ما ذكر إنما يتم في بعض الحروف، كلفظة «من» و «على» و «عن» و «إلى» وما رادفها، وأما باقي الحروف، وما أكثرها - كحرف النداء والتشبيه والتعجب ونظائرها - فيشكل جدا تشخيص كون مدلولها عرضا من الأعراض.
مدفوع: بأن معنى الحرف - كما عرفت - ينحصر في الجوهر أو العرض أو ربطه بمحله، ولا شبهة في عدم كون معناه من الجواهر.
ولا مجال لتوهم كون معاني الحروف في الموارد المذكورة هي ربط الأعراض بمحالها; لشهادة الاستقراء بأن حال الحروف المذكورة حال سائر الحروف في الدلالة على الأعراض، والهيئات دالة على ربطها بمحالها، نعم تشخيص كون معنى الحروف