الرابطة بين المفردات فلو كانت إيجادية - حسب الفرض - لا يكون لها إلا مدلول بالذات، وهو الوجود الخاص الرابط بين المفردات، فعلى هذا لا يكون لشيء من الكلام دلالة يصح السكوت عليها، ويحصل بها التفاهم أصلا، وهو خلاف الضرورة والوجدان.
وتوهم: أن المعتبر في حكاية الكلام عن الخارج إنما هو حكاية مجموعه - بما هو مجموع - عن الخارج، لا حكاية كل لفظ من مفرداته عما يقابله; حتى يقال: بأن الحروف ليس لها مداليل بالعرض، والوجدان حاكم بأن مجموع الكلام - المؤلف من الأسماء والحروف - يفهم منه معنى تركيبي غير ما يفهم من مفرداته.
مدفوع: بأن تركب الكلام تركب اعتباري، لا حقيقي; ليحدث من امتزاج بعض أجزائه مع بعض حقيقة ثالثة غير حقائق أجزائه، ومعنى اعتبارية التركيب: هو أن أجزاءه موجودات مستقلة، يمتاز كل منها عن الآخر بالماهية والهوية، فلكل من أجزاء الكلام وجود مستقل وحكاية خاصة، به يحكي عما سيق له من المعاني الخارجية، فلازم إيجادية الحروف هو أن لا يكون لها في الكلام دلالة يصح السكوت عليها، ويحصل بها التفاهم، وهو خلاف الضرورة والوجدان (1).
وفيه: ليته (قدس سره) قال هذا الكلام من أول الأمر، من دون أن يتعب نفسه الزكية بذكر الإشكالات والتكلفات; لأن الباب باب التبادر والظهور، لا باب البراهين العقلية، وواضح أن المتبادر عند العرف والعقلاء من جملة «سرت من البصرة إلى الكوفة» - مثلا - هو الربط الواقعي بين السير والسائر من البصرة إلى الكوفة، وواضح أن لفظتي «الكوفة» و «البصرة» لا تدلان على الربط، وهو واضح، ومجموع الكلام - بما هو مجموع - لم يكن له وضع على حدة، فإذا الدال على الربط ليس إلا لفظتي «من» و «إلى».