السيرة، كما تقدم كيفية استكشاف الدليل الشرعي عن طريق السيرة سواء كانت سيرة أولئك المتشرعة على ما ذكرناه بوصفهم الشرعي، أو بما هم عقلاء. الثاني: الاستدلال بسيرة العقلاء على التعويل على اخبار الثقات، وذلك أن شأن العقلاء سواء - في مجال أغراضهم الشخصية التكوينية، أو في مجال الأغراض التشريعية وعلاقات الآمرين بالمأمورين - العمل بخبر الثقة، والاعتماد عليه، وهذا الشأن العام للعقلاء يوجب قريحة، وعادة لو ترك العقلاء على سجيتهم لأعملوها في علاقاتهم مع الشارع، ولعولوا على اخبار الثقات في تعيين احكامه وفي حالة من هذا القبيل لو أن الشارع كان لا يقر حجية خبر الثقة لتعين عليه الردع عنها حفاظا على غرضه، فعدم الردع حينئذ معناه التقرير ومؤداه الامضاء.
والفارق بين التقريبين ان التقريب الأول يتكفل مؤونة اثبات جري أصحاب الأئمة فعلا على العمل بخبر الثقة، بينما التقريب الثاني لا يدعي ذلك، بل يكتفي باثبات الميل العقلائي العام إلى العمل بخبر الثقة الامر الذي يفرض على الشارع الردع عنه - على فرض عدم الحجية - لئلا يتسرب هذا الميل إلى مجال الشرعيات.
وهناك اعتراض يواجه الاستدلال بالسيرة، وهو ان السيرة مردوع عنها بالآيات الناهية عن العمل بالظن الشاملة باطلاقها لخبر الواحد.
وتوجد عدة أجوبة على هذا الاعتراض:
الجواب الأول: ما ذكره المحقق النائيني - رحمه الله - من أن السيرة حاكمة على تلك الآيات لأنها تخرج خبر الثقة عن الظن، وتجعله علما بناء على مسلك جعل الطريقية في تفسير الحجية.
ونلاحظ على ذلك:
أولا - انه إذا كان معنى الحجية جعل الامارة علما، كان مفاد الآيات