نفي الثالث، وان افترضنا ان نفي الوجه الثالث عند كل فقيه كان مرتبطا باثبات ما تبناه من رأي، فهذا هو الاجماع المركب على نفي الثالث ولا حجية فيه، لان حجيته إنما هي باعتبار كشفه الناشئ من تجمع القيم الاحتمالية لعدم الخطأ، وفي المقام نعلم بالخطأ عند أحد الفريقين المتنازعين فلا يمكن ان تدخل القيم الاحتمالية كلها في تكوين الكشف للاجماع المركب لأنها متعارضة في نفسها، كما هو واضح.
3 - الشهرة كلمة الشهرة بمعنى الذيوع والوضوح لغة، وتضاف في علم الأصول إلى الحديث تارة والى الفتوى أخرى، ويراد بالشهرة في الحديث تعدد رواة الحديث بدرجة دون التواتر، ويراد بالشهرة في الفتوى انتشار الفتوى المعينة بين الفقهاء وشيوعها بدرجة دون الاجماع.
ونحن إذا حددنا التواتر تحديدا كيفيا بالتعدد الواصل إلى درجة موجبة للعلم ولو بمعنى يشمل الاطمئنان، فسوف لا تتجاوز الشهرة في الحديث التي فرض فيها ان تكون دون التواتر درجة الظن، والخبر الظني ليس من وسائل الاحراز الوجداني للدليل الشرعي، بل يحتاج ثبوت حجيته إلى التعبد الشرعي كما يأتي.
وإذا حددنا الاجماع تحديدا كيفيا بتعدد المفتين إلى درجة موجبة للعلم - ولو بمعنى يشمل الاطمئنان - فسوف لا تتجاوز الشهرة في الفتوى التي فرض فيها ان تكون دون الاجماع درجة الظن بالدليل الشرعي، وهو ليس كافيا ما لم يقم دليل على التعبد بحجيته. وإذا حددنا الاجماع تحديدا كميا عدديا باتفاق مجموعة الفقهاء كان معنى الشهرة في الفتوى تطابق الجزء الأكبر من هذه المجموعة، اما مع عدم وجود فكرة عن آراء الآخرين، أو مع الظن بموافقتهم أيضا، أو مع العلم بخلافهم، والشهرة بهذا المعنى قد تدخل في الاجماع بالتحديد الكيفي المتقدم وتوجب احراز الدليل الشرعي