أن المعلوم من سيرة العلماء في استنباطهم هو اتفاقهم على طريق خاص وإن اختلفوا في تعيينه، وهو ممنوع.
أولا: بأن جماعة من أصحابنا كالسيد رحمه الله وبعض من تقدم عليه وتأخر عنه منعوا نصب الطريق الخاص، بل أحاله بعضهم.
وثانيا: لو أغمضنا عن مخالفة السيد وأتباعه، لكن مجرد قول كل من العلماء بحجية طريق خاص أدى إليه نظره لا يوجب العلم الإجمالي بأن بعض هذه الطرق منصوبة لجواز خطأ كل واحد منهم فيما أدى إليه نظره، واختلاف الفتاوى في الخصوصيات لا يكشف عن تحقق القدر المشترك، إلا إذا كان اختلافهم راجعا إلى التعيين على وجه ينبئ عن اتفاقهم على قدر مشترك نظير الأخبار المختلفة في الوقائع المختلفة، فإنها لا توجب تواتر القدر المشترك إلا إذا علم من أخبارهم كون الاختلاف راجعا إلى التعيين، وقد تحقق ذلك في باب التواتر الإجمالي والإجماع المركب» (1).
أقول: أما اعتراضه الأول فقد كفانا بنفسه - طاب ثراه - مئونة الجواب عنه بما سبق منه في تقرير السيرة والإجماع بوجوه عديدة، وبيان عدم قدح مخالفة السيد في انعقاده، واعتذاره عنه بأعذار شتى، وادعاؤه الإجماع حتى منه مع عدم التمكن من العلم أو مطلقا، فنحن نذكره بما ذكره، ونأمر الناظر بالرجوع إليه، فلعمر الحق إنه لم يبق في القوس منزعا، ولا للزيادة عليه موضعا، وكذا فيما ذكره ثانيا - وما ذكره إلا جدلا - لأن من المعلوم لدى من له أدنى تأمل بطريقتهم، وتتبع في كلماتهم أن خبر الثقة الثبت، الحاوي للشرائط، الخالي عن العلة والمعارض، متفق عليه عندهم، فترى أحدهم إذا استدل بخبر على حكم فرعي لا يرده خصمه إلا بضعف الراوي، أو جهالته، أو شذوذه وندرته، أو بوجود