ثقة آخذ منه معالم ديني؟ (1) يدل على أن قبول قول الثقة كان أمرا مفروغا عنه عند الراوي، كما نبه عليه في الرسالة (2)، ولكنه ليست المفروغية لتعبد ونص من الشرع، بل لحكم الفطرة والعقل، وعلى هذا النموذج سائر الأدلة الموردة في هذا البحث، ويأتي التنبيه عليها في مواضعها، وللكلام بقية تسمعها إن شاء الله في بحث تعارض الأدلة، وبالجملة المتبع في هذه المسألة سيرة العقلاء.
ثانيهما: لم يسلك العقلاء سبيل التعبد الوعر فيما حكموا بحجيته، ولم يعرفوا قط معنى لسببية الأمارة، ولا لمدخلية سلوك الأمارة في مصلحة العمل وإن خالف الواقع، بل المعنى المعقول لديهم هو المعنى المستفاد من لفظ الحجة، أعني ثبوت آثار التكليف بوجودها، وعدم ترتبها مع عدم قيامها، فالمولى يعاقب عبده، والصديق يعاقب صديقه بترك حق له أقام الحجة عليه، ويعذره إذا تدلى بحجة على الترك، فإذا أخبرك الثقة بحمى صديقك وتركت عيادته، فإنك ترى من نفسك استحقاقها العتاب، كما ترى لها العذر في تركها إذا أخبرك بأنه أبل (3) من الداء.
هذا هو المحجة الواضحة التي سنتها الفطرة، وجرى عليها العقلاء كافة، وأمضاها الشارع، فتجدهم على اختلاف الأعصار والأمصار متفقين على ما وصفناه فيما لهم أو عليهم من الحقوق وإن اختلفوا في أغراضهم الشخصية إقداما وإحجاما، فبينا ترى الرجل المقدام يخاطر بنفسه وماله في مزاولة الأسفار ويقذف بهما في لهي أهوال القفار والبحار، لا يستصحب معه دينارا أودعه عنده صديقه، فضلا عن حمل عياله وأولاده معه، إلا مع قيام الحجة على سلامة