فصحاء العرب من مصقعي (1) خطبائها، وفحول شعرائها إلى معارضة القرآن ولو بسورة واحدة، وبلغت دعوته البدو والحضر، وتصدى لها أهل الوبر والمدر، فنكصوا على أعقابهم خائبين، وظهر عجزهم للعالمين، وظل أفصحهم عند سماع هذا المعجز الأعظم كدمنة (2) أم أوفى لا تتكلم.
وما سمعوا قوله تعالى: سأتلوا عليكم منه ذكرا (3) إلا طفقوا يضحكون من قفا نبك من ذكرى (4).
أ فتراه صلى الله عليه وآله كان يتحدى بألفاظ لا يعرف المراد منها سواه؟ أو تراهم عجزوا عن معارضة ما لم يهتدوا إلى معناه؟ كلا، بل هو قرآن عربي مبين، نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، وما أرسله إلا بلسان قومه لينذرهم بين يدي عذاب شديد، ويدعوهم إلى صراط الله العزيز الحميد.
فهل كان الإنذار والدعاء وغيرهما من الأغراض الشريفة يترتب على صرف سماعهم الألفاظ؟ حاشا أن يحتمله أحد، أم كانوا يسألونه عن معنى كل كلمة؟ كلا، بل كانوا أول قراع اللفظ لأسماعهم يسبق المعنى إلى أذهانهم، فيخشع قلوبهم لذكره، وتقشعر جلودهم له، وتقف جوارحهم طوع نهيه وأمره، وهذا أوضح من أن يخفى على السذج البسطاء، فكيف على هؤلاء العلماء