فإن قلت: العنوان المتأخر وإن لم يكن ملحوظا مع الذات ومتعقلا معها، ولكن الذات ملحوظة مع العنوان المتأخر، فيجتمع المحبوبية في الرتبة الثانية مع مبغوضية الذات.
قلنا: موضوع الحكم الواقعي هو الذات مع التجرد عن لحاظ الحكم، والحكم الظاهري موضوعه تلك مع لحاظ الحكم، ولا يمكن الجمع بين لحاظي التجرد والثبوت.
وأيضا موضوع الحكم الواقعي لم يكن مقسما لمشكوك الحكم ومعلومه، بخلاف موضوع الحكم الظاهري، فتصور موضوعي الحكمين معا يتوقف على تصور العنوان على نحو لا ينقسم إلى الأقسام، وعلى نحو ينقسم إليها، وهذا مستحيل بلحاظ واحد.
أقول: وهذا الاعتراض قريب من الذي اعترض على الترتب في مسألة الضد من أن المهم وإن لم يكن مطلوبا في مرتبة الأهم، ولكن الأهم مطلوب في مرتبة المهم، فيقع التضاد، ولا يجدي في دفعه الترتب.
والجواب في المقامين يظهر مما عرفناك مرارا من أن الحكم الأول لا إطلاق له ولا تقييد بالنسبة إلى العنوان المتأخر، فالحكمان لا يجتمعان أصلا فتفطن.
فإن قلت: إذا صح هذا فليصح جعل الحكم الظاهري في مقابل الواقع بعنوان كونه مقطوع الحكم أيضا، إذ كما أن مرتبة الشك متأخرة عن الحكم، كذلك مرتبة القطع به، فيلزم إمكان كون الخمر حراما بعنوان أنها خمر، وحلالا بعنوان أنها معلومة الحرمة.
ويمكن الجواب عنه بأن العلم موجب لتحقق عنوان الإطاعة والعصيان وهما علتان تامتان للحسن والقبح كعنوانه في الإحسان والظلم، فلا يجوز عقلا النهي عن الطاعة، والأمر بالمعصية، كما لا يجوز النهي عن الإحسان، والأمر بالعصيان، وهذا بخلاف الظن الذي لا يصل إلى هذه المرتبة، ويبقى بينه و