الأذكياء، ولكن شغفهم بأحد الثقلين أوجب هذه الجناية على الثقل الآخر، وغفلوا عن أن صدق ذلك الثقل وفضله لم يعلم إلا بهذا الثقل، سامحهم الله.
لقد فتحوا بهذه الدعوى وبأخرى مثلها، أو أمر منها بابين لأهل الزيغ والإلحاد، فبينا نرى الكافر به يعترف بأن هذا الذي بين أيدينا هو القرآن المنزل، وأنه يكاد لشرف مقاصده أن يبلغ حد الإعجاز، يقول المؤمن به ما يقول..... ولا أدري ما ذا يكون جواب المسلمين لأهل الكتاب إذا قارعوا توراتهم وإنجيلهم بقرآنهم، وصالوا عليهم بما تضمنه من فنون العلوم والحكم، والإخبار عن أخبار سالف الأمم، فقالوا: إن كتابكم باعترافكم أحجية، فلا يقوم به حجة، أتراهم يقنعون بقولك: روي في معناه عدة روايات ذكرها السياري في تفسيره، أو صاحب تأويل الآيات؟ بلغنا أن بعضهم سئل عن مفردات آية التوحيد، ففسر جميعها، ثم سئل عن تفسير الآية، فقال: لا أعرف معنى قل هو الله أحد (1).
وهذا وأمثاله مما يجل عنه أكابر المحدثين الذين عرفنا فضلهم، ورفيع مقامهم، وإنما يصدر من الحشوية الذين جعلوا شعارهم الانقياد والتسليم لكل ما سمعوه وإن خالف البرهان، بل الوجدان، وهم الذين عناهم المفيد في كلامه السابق.
والظاهر أن هؤلاء الأكابر لا يبلغون في الجمود هذا الحد، وإنما غرضهم المنع عن استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب، أو تفسير المتشابهات، كما يؤذن به عنوان الباب من كتاب وسائل الشيعة، وهو «باب عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن إلا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة عليهم