حتى متعلق الأمر الآخر، وسد جميع أبواب العدم على متعلقه والإلزام بعدم صرف القدرة على أي ضد كان له، والمنع من تفويت متعلقه ولو بإتيان غيره، إلى غير ذلك من التعبيرات المختلفة المنتهية إلى حقيقة واحدة وهي اقتضاؤه عدم الترك مطلقا، وهذا شأن الواجب المطلق.
ولو كان الأمر المتعلق بالمهم كذلك لزم جميع ذلك، ولكنه - كما عرفت - أمر مشروط بعصيان الأمر الآخر، ولا اقتضاء له مع وجوده أصلا، حتى أنه لو فرض محالا إمكان الجمع بين الضدين وأتى بالمتزاحمين لم يكن المهم مأمورا به، لفقدان شرطه الذي هو عصيان أمر الأهم، فإذن الأمر بالمهم لا يطرد إلا غير الأهم من الأضداد، ويقضي بسد جميع أبواب العدم إلا من ناحية إتيان الأهم.
ونقول توضيحا للمقصود، وتنقيحا للبحث في المثال المعروف في هذا الباب، وهو تزاحم الصلاة أول وقتها مع إزالة النجاسة عن المسجد: إن الأمر الفوري المطلق متعلق بالإزالة، والأمر المشروط بعصيان هذا الأمر المطلق متعلق بالصلاة لوجود المقتضي لها بالفرض كما مر في المقدمة الخامسة، ولا تضاد بين الأمرين في ذاتهما، ولا بين مقدماتهما بحكم المقدمة الثالثة، فعلى فرض عصيان الأمر بالأهم يتنجز الأمر بالصلاة لحصول شرطه، ولا يزاحمه الأمر بالإزالة لأنه لا إطلاق له بالنسبة إلى فرض العصيان بحكم المقدمة الثانية، فإذا علم المكلف من نفسه وقوع المعصية فقد علم بحصول شرط المهم، فتجب عليه مقدماته الوجودية ولو كانت مقدمة بحسب الزمان على العصيان على حذو نظائرها، فيجب عليه الوضوء وتحصيل الساتر.
وحيث إن العصيان يوجد تدريجا يكون إطلاق الأمر تدريجيا بحكم المقدمة الرابعة، وله في كل آن ترك العصيان، والخروج عن موضوع الأمر بالمهم لعدم اقتضائه تحصيل شرطه كما مر فيها أيضا، وهذا المقدار كاف في ما قصدناه من بيان المراد من هذه القاعدة وإقامة الدليل عليها.