وأجاب عنه بما حاصله: «أنه إذا دل الدليل على عدم الوجوب نقول: إن شرط الوجوب فيه هو القدرة على ذلك الواجب، وشرائطه في زمان وجوبه، فيكون من الشروط الشرعية، وليس ذلك تخصيصا لحكم العقل، إذ القدرة المعتبرة قدرة خاصة بحكم الشرع» (1).
أقول: من الظاهر لدى من عرف طريقة الفقهاء، أن الأصل عندهم عدم وجوب المقدمات قبل وقت الفعل، والحكم بسقوط الواجب عن فاقدها في الوقت وإن تمكن منها قبله وتركها عمدا، وإذا ثبت عندهم خلاف ذلك - ولم يثبت إلا في موارد قليلة لا تبلغ عدد أصابع الكف - عمدوا إلى تأويلها، بل إلى الاقتصار على اللازم فيها، فراجع - إن أحببت - كلماتهم في مسألة الغسل قبل الفجر، تجد المنسوب إلى المشهور عدم الوجوب إلا في آخر وقت يمكن وقوعه فيه.
حتى أن الفاضل المقرر نقل عن الشيخ الأعظم اعتماده على أن ما دل على وجوب المقدمة لا يدل على أزيد من ذلك (2)، وأوضحه بما زاده خفاء على خفاء، وضغثا على إبالة (3)، وظني أن كلام الشيخ لا يمكن توجيهه إلا على القول بالتعليق، ولو لا مخافة الإطالة لفصلت القول فيه.
وبالجملة، القول بوجوب مقدمات الواجب المشروط مطلقا يفتح بابا لا يمكن سده، وأي فقيه يلتزم بوجوب الكسب على الغلام أول يوم بلوغه إذا علم بأنه يولد له ولد بعد خمسين سنة يجب عليه نفقته، أو يوجب عليه شراء الراحلة إذا علم بأنه يحصل له من المال فيه بمقدار يستطيع الحج به.