بعيدة المسافة وكثيرة المئونة ليس إلا لأجل تعلق إرادته، وكونه مريدا له - إلى أن قال - إن البعث إنما يكون لإحداث الداعي للمكلف إلى المكلف به، ولا يكون إلا بعد البعث بزمان، فلا محالة يكون البعث إلى أمر متأخر عنه بزمان، فلا يتفاوت طوله وقصره فيما هو ملاك الاستحالة والإمكان في نظر العقل الحاكم في هذا الباب.
ولعمري ما ذكرناه واضح لا سترة عليه، والإطناب إنما هو لأجل رفع المغالطة الواقعة في أذهان بعض الطلاب» (1) انتهى كلامه.
ولكن الإنصاف عدم ورود أكثر ما أورده عليه، ويظهر ذلك من التأمل في كلامه، وهذا بعضه، قال:
«محبوبية الفعل ومطلوبيته الباعثة على صدور الخطاب إن كان حاصلا فعلا في المأمور به من غير توقف على أمر غير حاصل فهذا واجب مطلق، ومقتضاه وجوب البدار إلى الامتثال بارتكاب المقدمات ولو كانت محتاجة إلى طول زمان.
وإن كان موقوفا على حدوث أمر غير حاصل، وعاريا عن المصلحة فعلا، ولغوا صرفا قبل وجوده، كان هذا واجبا مشروطا مقيدا ولو تأخر لحظة، ومن الواضح عراء الفعل الموقت عن المصلحة رأسا قبل الوقت».
«والحاصل: أن مفاد الكلام إن كان هو مطلوبيته ومحبوبيته من غير انتظار شيء غير حاصل فهو واجب مطلق أي غير متوقف وجوبه على شيء حال الخطاب، وإن كان هو عدم مطلوبيته فعلا، بل بعد تحقق شيء آخر زمانا كان أو لا فهو مشروط، وهذا هو المناط في إطلاق الوجوب واشتراطه».