فإنه تقرير للثابت في موطنه، وحكاية عن ثبوته في ظرفه ومحله، فيتصف بأحدهما لا محالة» (1).
أقول: ما ذكره في معنى الإنشاء من إيجاد المعنى بالقول أمر لا نتعقله لأن الألفاظ لا علية لها بأنفسها لإيجاد المعاني، ولا يمكن جعل العلية لها، لما تقرر في محله من عدم قابليتها للجعل - وقد سبق بيانه في مبحث الوضع - ولا وظيفة للفظ إلا الدلالة على المعنى بالوضع، ومرتبة المعنى مقدمة على اللفظ فكيف يعقل إيجاده به وأيضا يشهد الوجدان بأن القائل: اضرب فلانا. لا يريد به إيجاد أمر معدوم باللفظ، بل يريد إفهام المخاطب معنى اللفظ على حذو ما يريده في الإخبار، ولا فرق بين الإخبار وبينه من هذه الجهة، وإن كان ثمة فرق فهو في ناحية المعنى المفهوم منهما.
وكان يذهب بعض مشايخنا إلى أنه موضوع للدلالة على وجود الإرادة في النفس، وأنه يشارك الإخبار في قبوله الكذب المخبري، بمعنى أنه يمكن أن يخبر عن وجودها في نفسه مع عدم وجودها فيها، ويفارقه في عدم قبوله الكذب الخبري، إذ لا يعقل خطأ الإنسان في إرادة نفسه، ولا يمكن أن تكون له إرادة ولا يعلمها، بخلاف الإخبار.
والذي يظهر لي في المقام هو أن الهيئة موضوعة للدلالة على الإرادة بضميمة معنى حرفي يعبر عنه بالاقتضاء والبعث، فإن كانت موجودة في النفس فهي مستعملة في معناها بالإرادة الجدية والاستعمالية معا، وإلا فهي مستعملة فيه بالثانية فقط، ولكن الظاهر منهما عند الشك هو انبعاثها عن الإرادة الجدية، ووجودها في النفس على حذو ما سبق في مبحث المجاز، فمفاد هيئة افعل هو