ضرورة أن موافقة المأتي به للمأمور به يقتضي أمران (1)، الأمر واشتماله على جميع ما له دخل في ترتب الأثر المقصود، وما اشتمل على جميع ما له دخل في ترتب ذلك الأثر أعم من كونه مأمورا به وعدمه، كما أن الفساد في محل البحث أخص مطلقا منه بالمعنى المأخوذ في مسألة النهي، ضرورة أن عدم موافقة المأتي به للمأمور به قد يكون لانتفاء الأمر كما في صلاة الحائض، وقد يكون لاختلال فيما له دخل في ترتب الأثر من جزء أو شرط كصلاة المحدث، أو تارك السورة عمدا أو قارئ سورة العزيمة مثلا، وبذلك يعلم الجواب عما احتج به من قال - في مسألة النهي بأنه يدل على الصحة -: من أن الصلاة في قوله: " دعي الصلاة أيام أقرائك " (2) اسم للصحيحة، والأصل في الاستعمال الحقيقة، فلابد أن يكون الصلاة الصحيحة مقدورة للحائض لئلا يلزم التكليف بغير مقدور. وقضية ذلك كون صلاتها صحيحة.
فإن ما يثبت بهذه المقدمات - بعد فرض صحتها - إنما هو الصحة بالمعنى المأخوذ في مسألة الصحيح والأعم، وهو أعم من الصحة المأخوذة في مسألة النهي، فهذه الصحة لا تنافي الفساد بالمعنى المأخوذ في كلام القائل بدلالة النهي عليه، كما لا يخفى.
وممن تفطن بهذا الجواب بعض الأعلام في جملة كلام له، فراجع وتأمل جيدا.
ولذا جعل صلاة الحائض من باب المنهي عنه لنفسه، بإرجاع الظرف في قوله:
" دعي الصلاة أيام أقرائك " إلى الموضوع أو الحكم والنسبة الحكمية، ردا على من زعمه من باب المنهي عنه لوصفه، بجعل الظرف قيدا للمحمول وهو الصلاة.
وتوجيه الرد - لعله على ما يساعد عليه النظر -: أن المأمور به لابد وأن يكون بجميع قيوده حتى الشرائط - ولو باعتبار مبادئها - مقدورا وحالة الحيض من الأمور الخارجة من القدرة حدوثا وارتفاعا، فلا يصلح عدمها قيدا للمأمور