وثالثها: الترديد بالقرائن، والمراد به تكرير اللفظ أو استعماله مقرونا بالقرينة المستقلة في الدلالة على المعنى، للتنبيه على الوضع الثابت فيما بينهما، وهذا هو السديد من تعريفه، لا ما قيل من أنه تكرير الاستعمالات المقرونة بالقرائن الدالة على أن المقصود من هذا اللفظ هو هذا المعنى، ولا ما قيل أيضا من أنه استعمال اللفظ متكررا مع القرينة الموجبة لفهم المقصود، ولا ما قيل أيضا من أنه ذكر اللفظ مقترنا بالقرينة الدالة على كون المستعمل فيه معنى حقيقيا، فإنه لا يخلو شيء من ذلك عن شيء، كما يتضح بعيد ذلك.
وهذا الطريق طريق مألوف قطعي لمعرفة اللغات، ودليل معروف علمي للتوصل إلى حقائق الألفاظ، كما في الأطفال يتعلمونها به، بل أهل كل لغة يتعلمون لغة أخرى كالعجمي القح يتعلم اللغة العربية والعربي الصرف يتعلم اللغة العجمية، فإن تعليم هؤلاء مما لا يتأتى بل لا يتيسر إلا بهذا الطريق، لتعذر التصريح بالنسبة إلى من لا يعلم شيئا من لغة المعلم أو ممن لا يعلم شيئا من لغة المتعلم، فهو مع كونه قطعيا - كما هو المصرح به في كلام غير واحد - مما لا يمكن القدح فيه وفي طريقيته، غير أنه ربما يتوجه الإشكال من جهته في أمرين:
أحدهما: فتح باب السؤال على الأصوليين، حيث إن الأكثرين من فحولهم من العامة والخاصة لم يتعرضوا لذكر هذا الطريق في باب البحث عن الطرق المثبتة للوضع، بل لم يذكره هنا إلا بعض الأواخر وإنما أشاروا إليه في غير هذا الباب، كما في مسألة الحقائق الشرعية عند دفع احتجاج النافين لها بأن الألفاظ المتنازع فيها لو وضعها الشارع لمعانيها الشرعية لفهمها المخاطبين... إلى آخره، فإن كان ذلك يصلح طريقا فلم أهملوه في باب الطرق، ولم يدرجوه فيها عند التعرض لذكرها، وإن كان لا يصلح طريقا فلم أشاروا إليه واعتبروه وحكموا بكونه قطعيا عند دفع الاحتجاج المشار إليه.
وثانيهما: القدح في كبرى هذا الطريق، من حيث إن المستفاد من كلماتهم كما يشعر به التعريفات المتقدمة، وهو المعلوم ضرورة بملاحظة مجاري هذا الطريق،