أهل اللغة وإطلاقات الأخبار، وتفسير صاحب القاموس لما في كلام الجوهري بذلك بعد مخالفته لما ذكر مما لا يعبأ به، حيث إن حجية قول اللغوي في اللغات ليست تعبدا محضا، وهو مع ملاحظة ما ذكر لا يفيد اطمينانا ولا ظنا فضلا عن العلم.
وثبوت التفويض في الجملة بعد تسليمه وتسليم دلالة النصوص عليه لا يثبت الإطلاق ومجرد الاحتمال غير كاف، وجواز الإطلاق بهذا الاعتبار لا يقضي بظهور كلام القوم في إرادته بعد انكشاف خلافه بشهادة ما ذكرناه.
فما قد يقال: من أن الوضع المتنازع فيه يمكن كونه مطلقا من الله، بناء على أخذ الشارع بمعنى الجاعل، أو من النبي بناء على أخذه بمعنى المبين، أو منهما معا على التلفيق بكون وضع ما في الكتاب العزيز من الله وما في السنة من النبي، بناء على أخذ الشارع بمعنى القدر المشترك بين المعنيين كمن يؤخذ منه الشرع ونحوه، ليس على ما ينبغي، بل الواضع في الجميع هو الله تعالى.
هذا مع أن تحقيق هذا المطلب مما لا يثمر فائدة بالنسبة إلى الثمرة المطلوبة من ثبوت الحقائق الشرعية وعدمها، كما هو واضح.
الأمر الثاني: في كلام جماعة من الأصوليين من العامة والخاصة تقسيم الحقيقة الشرعية إلى ما لا يعرف أهل اللغة لفظه أو معناه أو كليهما، وما يعرفون كليهما ولكن لم يكن اللفظ عندهم لذلك المعنى، وقد صرح غير واحد من الأجلة بأن المعتزلة سموا ما عدا الأخير حقيقة دينية.
وفي كلام بعضهم إنهم قالوا: " الحقيقة الدينية أخص من الشرعية "، فكل حقيقة دينية شرعية ولا عكس، وكأن وجه تسمية ما عدا الأخير دينية ما فيه من جهة اختصاص بهذا الدين، من لفظ فقط أو معناه كذلك أو كليهما، نظرا إلى عدم كون أحد هذه الأمور معروفا متداولا عند غير أهل هذا الدين، فيكون وضعه الشرعي على القول بثبوته محدثا فيه، بخلاف الأخير فإنه لكون لفظه ومعناه معروفين قبل حدوث هذا الدين كان وضعه الشرعي ثابتا من الشرائع السالفة.