ولذا ترى الأصوليين بين ناف لثمرة الخلاف في المسألة، تعليلا بفقد لفظ يكون مجردا عن القرائن الصارفة عن المعنى اللغوي.
وبين مصرح بقلتها التفاتا منه إلى قلة ورود هذه الألفاظ في كلام الشارع مجردة عما يصرفها عن معانيها الأصلية.
وربما استدل أيضا بكون كثير من العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج والوضوء والغسل ثابتا في الشرائع السابقة، معروفا عند الأمم السالفة.
بل ربما ظهر من بعض الأخبار ثبوت بعضها في الجاهلية عند مشركي العرب، فلا يبعد حينئذ دعوى كونها حقيقة قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله)، فكيف بها بعد البعثة وانتشار الشريعة.
وقد تقدم المناقشة في ذلك أيضا، فالوجه في الاستدلال ما قررناه من الاستقراء.
وقد عرفت أنه لا يفيد إلا ثبوت الحقيقة الشرعية بالخصوص، ومفاده في مورده وضع التعيين، وعليه فإطلاق الثمرة المتقدمة على القول بالثبوت في محله، إن لم يخدش فيها قلة التجرد، حسبما أشرنا إلى نقله عن بعضهم.
[52] قوله: (حجة النافين وجهان... الخ) احتج نفاة الحقيقة الشرعية بعد الأصل بوجهين.
أحدهما: على ما قرره المصنف إنه لو ثبت نقل الشارع هذه الألفاظ إلى غير معانيها اللغوية لفهمها المخاطبين بها، حيث إنهم مكلفون بما تضمنته.
ولا ريب إن الفهم شرط التكليف، ولو فهمهم إياها لنقل ذلك إلينا، لمشاركتنا لهم في التكليف، ولو نقل فإما بالتواتر أو بالآحاد، والأول لم يوجد قطعا وإلا لما وقع الخلاف فيه، والثاني لا يفيد العلم، على أن العادة يقضي في مثله بالتواتر.
ولا يذهب عليك أن الضميرين المنصوب والمجرور في القياس الأول يعودان إلى غير المعاني اللغوية، باعتبار موصوف مقدر له وهو معان أخر، فعبارة أصل الدليل: إنه لو ثبت نقل الشارع هذه الألفاظ إلى معان أخر غير المعاني