فأوليها: تعارض المجاز والتخصيص، ومثاله على ما ذكره العلامة في النهاية (١) وتبعه شارح التهذيب في المنية (٢) قوله تعالى: ﴿فاقتلوا المشركين﴾ (٣) نظرا إلى إجماعهم على اختصاص الحكم بغير أهل الذمة، فيحتمل حينئذ تخصيص الحكم ببعضهم وهو الحربي، أو إرادة غير أهل الذمة منهم مجازا، وكأ نه مبني على مذهبه في توجيه الكلام الاستثنائي دفعا للتناقض الواقع في الكلام من جعل الإخراج قبل الإسناد بعد إرادة العموم من اللفظ، وإلا فإرادة البعض منه مجازا بجعل الاستثناء قرينة للتجوز كما ذهب إليه الأكثر في دفع التناقض أيضا من باب المجاز، فكيف يجعل وجها مقابلا له كما تنبه عليه بعض الأعاظم ولذا يقال: إن التخصيص والإضمار وإن كانا قسمين من المجاز، لكنه لما كان لهما مزيد اختصاص وامتياز أفردوهما من أقسام المجاز وجعلوهما قسيما له.
ويمكن توجيه المثال أيضا بأن تعارض التخصيص والمجاز هنا من جهة دوران الأمر بين التصرف في هيئة العام، فيكون مجازا من جهة التخصيص بإرادة الخصوص من الهيئة الموضوعة للعموم، والتصرف في مادته وهو المشرك بإرادة الحربي منه من باب استعمال العام في الخاص بقيد الخصوصية فيكون مجازا من غير جهة التخصيص، وهذا أوجه من سابقه وإن بعد من مذهب العلامة.
والأولى أن يمثل بقوله تعالى: ﴿وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ (٤) بعد ملاحظة عدم وجوب الانتهاء عن المكروهات إجماعا، فلابد من تخصيص الموصول بالمحرمات، أو حمل الأمر على الاستحباب أو القدر الجامع بينه وبين الوجوب، ونحوه الكلام في قوله تعالى: ﴿أوفوا بالعقود﴾ (٥) وأولى من الجميع التمثيل بقوله تعالى: ﴿واستبقوا الخيرات﴾ (6) بعد ملاحظة عدم وجوب الاستباق بالمستحبات، فإما أن يخصص الخيرات بالواجبات، أو يحمل الصيغة على الاستحباب.