ومن هنا التزموا في تعريف الحقيقة بما التزموا من اعتبار قيد الحيثية، فكونه مجازا إنما هو بالنسبة إلى هذا المعنى لا مطلقا، ولذا يشترط في ثبوت المجازية المطلقة صحة سلب جميع الحقائق، وإلا لا يعلم بانتفاء الوضع عن المورد مطلقا، ومقايسة عدم صحة السلب عليها في اعتبار الجميع بالمعنى المفروض كمقايستها عليه في الاكتفاء بالبعض مما يبعد عن طريقة العلماء، بل خروج عنها بالمرة، لوضوح الفرق بينهما كرابعة النهار.
ثم بملاحظة ما قدمناه مرارا يندفع الدور، لتغاير محل التوقف تغايرا ذاتيا، كما لو كان الناظر في الأمارتين جاهلا ساذجا أو مشوبا لعلمه في الجملة، فإن المراد بصحة السلب وعدمها حينئذ ما تتحقق عند أهل العرف العالمين بحال اللفظ المميزين لحقائقه عن مجازاته، وهما علامتان للجاهل بأحد هذين المذكورين، أو اعتباريا كما لو كان جاهلا مشوبا، لعلمه الإجمالي بمسمى اللفظ مع رجوع شكه إلى كونه في الاندراج، لتعدد جهة التوقف حينئذ بالإجمال والتفصيل فلا دور مطلقا.
وممن دفع الدور على الوجه الذي قررناه بعض الأجلة (1) من أن المراد صحة السلب وعدمها في العرف على الإطلاق، أي في الكلام المجرد عن القرينة وحينئذ فلا دور ولا إشكال، وذلك لأنه إذا صح في العرف أن يقال للبليد: " ليس بحمار " مع تجرد الكلام عن القرينة المعينة للمراد، علم أن " الحمار " لم يوضع لما يتناول " البليد " وإلا لم يصح سلبه عنه إلا بقرينة، وإذا لم يصح في العرف أن يقال له: " ليس بإنسان " مع التجرد علم أن الإنسان موضوع لما يتناوله، وإلا لصح سلبه عنه من غير قرينة وذلك واضح.
وفي معناه ما أفاده الوحيد البهبهاني (2): من أن المراد سلب ما يستعمل فيه اللفظ عرفا مجردا عن القرينة وما يفهم منه كذلك عرفا، إذ لا شك في أنه يصح